Majmuc
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
Türler
واعلم يا أخي - أكرمك الله - أن الجنون هو ما أجن العقل وستره، وحال بينه وبين المعقولات وغمره، ولا يكون ذلك إلا بملابسة العلل ودخولها، وجولانها في القلوب وحلولها، والجان فلا يتهيأ له الدخول، ولا يمكنه الملابسة والحلول.
وسألت عن قول الله مولانا الواحد الجليل، وما ذكر في أهل الربا من القول: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } [البقرة:275]؟
وهذا مثل ضربه الله لمن يعمل بالربا بالموسوس وخبله، إذ لم ينتفع ولم يزدجر عن الحرام بما ركب الله من عقله، والمس فهو الجنون، وإنما خاطبهم الله بما يعرفون، لأنهم إذا رأوا مجنونا سموه مخبوطا منقوصا، وكان بذلك الاسم عندهم مخصوصا.
وسألت - أكرمك الله - عن العين، وما يعتقد العوام من إصابتها للبهائم للحسان، والأشجار المثمرة، وغير ذلك؟
واعلم يا أخي أن ذلك لا يصح عند من يعقل، ولا يقول بذلك من الناس إلا من يجهل، ولكنه ربما وافق أمر الله نظرهم، فيتوهمون أن ذلك منهم، وليس يخلو نظرهم من أن يكون انتقل منه جسم إلى الشيء المعجب فلابسه، ووصل إليه ولامسه. وأما أن يكون لم يصل شيء منه إليه، ولم يقع مما توهموا عليه.
فإن قالوا: إنه خرج من أنفسهم وأعيانهم جسم أمرضه، ووصل إليه وعارضه، فهذا الجسم لا يخلو من أن يكون لطيفا، أو يكون عند خروجه كثيفا، فإن زعموا أنه خرج من أعيانهم وأنفسهم جسم كثيف أوجعه، وغلب الشيء المعجب وصرعه، أو أيبس الشجر وقطعه، فهذا محال لأن العين والنسمة ضعيفان، وهما مع ضعفهما لطيفان، وما كان من الأشياء كلها ضعيفا، وكان مع ضعفه لطيفا، فيستحيل أن يخرج منه جسم كثيف.
Sayfa 260