ونحن بعد أصلح للحياة الاجتماعية لما ثبت من ندرة الجرائم بيننا في جميع الأمم، وأصح تركيبا ومزاجا لما تقرر من قلة الوفيات منا في الطفولة والهرم، فنحن غبينات إن رضينا بهذه القسمة الضيزى، نحن خليقات بالغبن إن لم نطالب لأنفسنا بخير منها، وها أنتم أولاء مجتمعون ههنا لتبعدوا أسباب التخاصم وتقربوا وسائل التفاهم، فهلا أهبتم بالرجل أن امنع الغبن من بيتك قبل أن تمنعه من الدنيا، وارفع الصغار عن أمك وزوجتك قبل أن ترفعه عن الناس؟ إنكم لا شك فاعلون.
وجلست المرأة وهي توهم نفسها أن إناث الحيوان ستهب على الفور للأخذ بناصرها، فلم يحصل شيء من ذلك، ونظرت كل أنثى إلى صاحبها وهي تبتسم ابتساما لم يعزب عن السامعين مغزاه. ثم بادر الرجل فقال ...
خطاب الإنسان
معشر الأحياء:
كنا نحذر كل الحذر من يوم تصل المرأة فيه إلى نصيب ولو قليل من الحرية، فتنظر إلى نفسها بعين المعجب المفتون، كما كانت تنظر إلى وجهها بهذه العين آلافا من السنين؛ لأننا نعلم أن المرأة شديدة الطيش والغرور، لا تنال القليل حتى تطمع في الكثير، ولو أنها حرمت كل شيء لما طمعت في شيء ما، ثم هي لا تجد ما يساعد غرورها حتى تذهب فيه أبعد مذهب، ولا ترى مسألة مهما ضخمت أكبر من أن تخلطها بسفسافها وألاعيبها.
قامت المرأة بينكم اليوم تطالب بشيء ليس من ضروريات حياتها، ولا هو مما يلزمها لأداء وظيفتها الطبيعية، وإنما نراها تطالب بضرب جديد من الزينة سمعت باسمه فتعلقت به كما يتعلق الطفل بما يسمع عنه ولو كان مقره وراء النجوم، فلا تصدقوا معشر الأحياء أن المرأة تطلب الحرية لأنها تفهم الحرية، ولكنها تطلبها كما تطلب قرطا نفيسا أو ثوبا من الزي الأخير، ولو صبغنا لها الحرية باللون الذي ألفت به الاستعباد لما استطاعت أن تميز بين هذين النمطين من الثياب، ثياب النفس لا ثياب الجسد!
إنكم قد اجتمعتم هنا لتتشاوروا في أمر ليس أجل منه ولا أصعب، اجتمعتم للنظر في مسألة الحياة كلها ومعضلة الخلق أجمع، فما كان يدور لي في حساب أنني حين أتقدم للخطابة بينكم أجد نفسي أمام حماقة من حماقات المرأة المعهودة، ولكن ما العمل وهذه الحماقة لا تفارقها في موقف من المواقف؟! حدثها عن كواكب السماء تقل لك ما أحلاها! إنها تشبه اللعبة التي يلعب بها ابني أو ابنتي ... وهي تدخل في كل أمر مطالبها التافهة التي يخيل إليها أن الوجود يدور على محورها، ولا ينبغي للناس أن يأبهوا لشأن من شئون الدنيا غيرها.
لقد طالما صبرنا أحقابا مديدة على حماقات المرأة صبر المرء على شيء لا مهرب منه، ولا بد لنا أن نصبر بعد على ما يمتحننا به الله من هذه البدعة التي جاءتنا بها في هذه العصور الحديثة. نصبر على كل حماقة إلا قولها إنها قد أصبحت فجأة - ولا ندري كيف؟ مثلنا في كل حق وواجب، لها ما لنا وعليها ما علينا، وإنها اليوم لن تحل في الهيئة الاجتماعية محلا أوضع من محلنا، أو تتجاوز عن حق نحن نتمتع به دونها؛ هذا لا نطيق الصبر عليه أو تطيق هي أن تكون رجلا وامرأة في آن واحد، ونطيق نحن أن نكون لا بالرجال ننفرد بحقوق خاصة للرجولة، ولا بالنساء نخلف المرأة في وظيفتها التي تريد أن تتخلى عنها.
أي مساواة للرجل تدعيها المرأة وهي إلى اليوم لا تجاريه في صناعة الطهي لو شاركها فيه؟ فما اشتغل رجل وامرأة بهذه الصناعة إلا برعها واستحق أضعاف أجرها، مع أنها قضت الدهور والأجيال لا عمل لها سوى طهي الطعام، واشتغل الرجل في هذه الدهور والأجيال بكل الأعمال سوى هذا العمل.
لا فرق يا قوم بين أن تقول المرأة: إنها مثل الرجل في كل شيء، أو تقول: إنها أرجح منه وأكمل؛ فلو سلمنا لها أنها قادرة على أن تجمع صفات الأنوثة من لطف ووداعة وعطف وملاحة واستعداد للحمل والحضانة، إلى صفات الرجولة من همة وعزم وحكمة وحزم وأخلاق متماسكة وطبائع نزاعة ومواهب متنوعة، فهل يقدر الرجل على أن يجمع مثلها بين هاتين المزيتين؟ إن كان الجواب (لا)، وهو حتم لا مراء فيه، فما بالها زادها الله تواضعا تقنع بمساواة الرجل ولا تدعي التفوق عليه؟ وهي امرأة ورجل معا وهو رجل فقط؟ أليست هي حينئذ أجدر بأن تتولى السيادة في ميدان هذا العالم الكبير فوق سيادتها في عالم الحجال والمقاصير ؟
Bilinmeyen sayfa