جمهرة مقالات محمود شاكر

Mahmoud Shaker, Abu Fahar d. 1418 AH
83

جمهرة مقالات محمود شاكر

جمهرة مقالات محمود شاكر

Yayıncı

مكتبة الخانجي

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

٢٠٠٣ م

Yayın Yeri

القاهرة - جمهورية مصر العربية

Türler

المصلوب، ويَجئُ على أثره موكلون قد وكلهم بجثَّته يقومون عليها يحرسونها، كأنما خَشِى أن يَحيا ميت قد حُز رأسه أن تمسهُ يَدُ أُمِّه. فوالله، فوالله لقد سمعت أسماءُ وخُبِّرتْ فما زادت على أن وَلتْ عنهم كما جاءت ما تقطر من عينيها قطرةُ دمع، وما تُجاوز قويًّا إلا جاوزتهم كأنهم فُسطاط يتقوَّض، حتى ولجت بابَها وغلقَته عليها. وانطلقتُ أنفضُ الناس بعيني، فرأيت أخي الحارث (ابن عبد الله بن أبي ربيعة) وابن أبي عتيق (هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) ما في وجهيهما رائحة دم من الحزن والفرقِ. فقلت: ما هذا أوان جزع، انطلقوا بنا -يرحمكم الله- إلى دارها نواسيها ونترفقُ لها، فوالله لقد تخوَّف أن يذهبَ بها الحزن عليه، وإنه لفالق كبدَها ما لَقِيته. ويطرق الباب ابن أبي عتيق، فيجيبُ الصوت من داخل: قد أسمعتَ فمهْ. فيقول: أنا ابن أبي عتيق يا أمَّاه. ويؤذن لنا فندخل دارها تَجِفُ قلوبنا من الروع والرّهبة، ونأخذ مجلسنا عند بنت أبي بكر الصديق خليفة رسول الله ﷺ وزوج حواريه ﵇، وكأن قد تركنا الدنيا وراءنا وأقبلنا على الآخرة. استضحكت أَسماءُ حتى بدت نواجذُها وقالت: "مرحبا بكم يا بَنّي، جئتم من خلل الناس تعزون أمكم في عبد الله. يرحم الله أخاكم لقد كان صواما قوَّاما ما علمتُ. وكان ابن أبيه الزبير أوّل رجل سل سيفه في الله، وكان أشبه الناس بأبي بكر. يا بَني، والله لقد حملتُه على عُسرَة، والمسلمون يومئذ قليل مستضعفون في الأرض يخافون أن يتخطَّفَهُم الناس، ولقَدْ سعيت به جنينا بين بيت أبي بكر وغار ثور بأسفل مكة في هجرة رسول الله ﷺ وصاحبه أبي بكر ﵁ آتيهما تحت الليل بما يصلحهما من الطعام، ويسكن الطلب عن رسول الله ﷺ، فأتيتهما بسفرتهما وسقائهما ونسيت أن أتخذَ لهما عِصامًا (١)، فلما ارتحلا

(١) عِصام السقاء والقربة هو رباطها وسيرها التي تُحمل به.

1 / 44