الم ،
المص
إلخ؟ فإذا اطمأن الداعي إلى المدعو قال له: لا تجعل فإن دين الله أعلى وأجل من أن يبذل لغير أهله، وإن من هداه الله من اعتقد بالأئمة واستقى من علمهم، ثم ينقله نقله أخرى بقوله: «إن الله رتب الأئمة واحدا بعد واحد، فأولهم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين الملقب بزين العابدين ثم محمد بن علي ثم جعفر الصادق». ثم ينقله نقله أخرى من ترتيب الأنبياء وترتيب الأئمة ورثة الأنبياء، ثم نقلة إلى تقرير أنه لا بد لكل إمام من جماعة ينصرونه متفرقين في جميع الأرض عددهم اثنا عشر رجلا، ثم يتدرج بعد ذلك في التعليم إلى الدرجة التاسعة، وهي الأخيرة بأن يأخذ على الأتباع العهد بأداء الأمانة على ألا يظهروا شيئا، وأن يمنع الأئمة مما يمنع منع نفسه، وإن خالف شيئا من ذلك فهو بريء من الله. ويظهر أن هذه هي التعاليم الدينية، أما التعاليم السياسية من العمل على قلب الدولة الزمنية، وإقامة الثورات ووسائلها، فقاصرة على خاصة الخاصة من الرؤساء، وبذلك نظموا أنفسهم تنظيما سرديا دقيقا أشبه ما يكون بتنظيم الجمعيات السرية الخطيرة اليوم.
على كل حال كان إخوان الصفاء جمعية سرية تعمل لهدم الدولة العباسية في الخلفاء، ولهم ميول شيعية تظهر في ثنايا الكتاب، ولهم في ذك أصول ومعتقدات دينية، واشترطوا شروطا كثيرة دقيقة للانضمام إلى العضوية، وقد رتبت بشكل موسوعة، وعدد رسائلها اثنتان وخمسون رسالة تعالج أبحاثا في الرياضيات والفلك والجغرافيا والموسيقى وعلم الأخلاق والفلسفة، وآخر رسالة فيها تعتبر خلاصة هذه الرسائل، وقد كتبت بأسلوب راق مما يدل على رقي اللغة في ذلك العصر، وقد طوعوها للتعبير عن الفكر العربي، وقد تأثر بها بعض التأثر الغزالي في كتابه الإحياء، وذكر أن المعري كان يحضر حلقات هؤلاء العلماء لما حضر بغداد في أيام الجمعة.
وقد ذكر أبو حيان التوحيدي أسماء واضعيها منهم: أبو سليمان البستي والمقدسي وأبو الحسن علي الزنجاني وزيد بن رفاعة والقوفي، وكان التوحيدي هو المصدر الوحيد الذي ذكر أسماءهم في كتابه «الإمتاع والمؤانسة»؛ ولذلك ظن بعضهم أنه عضو سري معهم وقد تنكر تقية.
وكان لرسائل إخوان الصفاء تأثيرات مختلفة في القوة والضعف في علماء الشرق والغرب على مر الزمان، وكل فلاسفة الإسلام الذين جاءوا بعدهم قد تأثروا بها وبنوا عليها. وربما عد بعضهم أبا حيان التوحيدي والراوندي والمعري من أكبر أتباعهم المتأثرين بعلمهم الناشرين لنظرياتهم، حكى ذلك السبكي في كتابه «طبقات الشافعية».
والدليل على أنها تشرح تعاليم الشيعة وعلى الأخص القرمطية أقوال كثيرة مبثوثة في ثناياها، منها ما جاء في فصول رسائل إخوان الصفاء مثل: الفصل الذي عنوانه فصل في أن كل من أجاب الأنبياء والمرسلين والأئمة الهادين والخلفاء الراشدين، الذين هم قوام الأئمة منهم توابيت الحكمة ومعهم تابوت السكينة الذي تحمله الملائكة الموكلون بحفظه حتى يوم مستحقه، يتوارثه الخلف عن السلف فمن عرفهم واتبع سبيلهم فقد أخلص العبادة، ونجا من الأبالسة ... إلخ. ويقولون في فصل آخر: فصل في معرفة الولاية الروحانية التي يكون بها الوصول إلى دار البقاء، وفصل آخر في معرفة الآباء والأمهات في الولادة الروحانية، وفي كل هذه الفصول وأمثالها تنبت تعاليم الدعوة الشيعية وتعاليم الأئمة.
ويرمزون أحيانا رمزا فيقولون مثلا: هذا فصل لم نفصح القول به، ولا أطلقنا الكلام فيه والدلالة عليه بالتصريح الشافي لكن بالتلويح والرمز، وهو فصل عميق في الرمز غامض في الدلالة.
وربما كان أقوى من نزع نزعة لاهوتية من الفاطميين الحاكم بأمر الله، فقد بدأ حياته مصلحا متواضعا يشرع للناس تشريعات معقولة، فمثلا: منع النساء من الخروج لما رأى من الفساد، ونظم مالية البلاد والضرائب تنظيما دقيقا بمساعدة من في بلاطه من اليهود والنصارى، واستقدم من البصرة الحسن بن الهيثم الذي نقض في كتابه «المناظر» نظرية إقليدس القائلة: بأن الإبصار يكون بخروج شيء من البصر إلى المبصر، وقد تعهد ابن الهيثم للحاكم أن يعدل فيضان النيل، ولكنه لما أخرج نظريته إلى العمل تبين عدم إمكان تطبيقها، فاختفى فرارا من الحاكم، ورأى الناس يكثرون من شرب الخمر، فحرم زرع العنب وحرم الموائد والموسيقى، بل حرم الشطرنج ومجرد المشي على النيل لما رأى إفراط الناس في الملذات، وحرم على الناس من يصنع الأحذية للنساء حتى لا يخرجن، وأحيا الأنظمة القديمة التي توجب على أهل الذمة ألا يتزيوا بزي المسلمين.
ولكن بعد ذلك غلا في لاهوتيته، فزعم أن الله تجسد فيه وأنه هو الإله وأتى في ذلك بأعاجيب، وكان يخرج إلى الصحراء يرصد الكواكب ويسبح في خيالاته اللاهوتية، ولكنه لما اختفى في سنة 1021م، وربما مات مقتولا ادعى أتباعه أنه لم يمت ولا قتل، وإنما يعيش مختفيا عن الناس.
Bilinmeyen sayfa