Mafātīḥ al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Yayıncı
دار إحياء التراث العربي
Baskı Numarası
الثالثة
Yayın Yılı
١٤٢٠ هـ
Yayın Yeri
بيروت
Türler
Tefsir
إطلاق الجسم لا يجوز:
المسألة التاسعة [إطلاق الجسم لا يجوز]: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الْكَرَامِيَّةِ لَفْظَ «الْجِسْمِ» عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا: لَا نُرِيدُ بِهِ كَوْنَهُ مُرَكَّبًا مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَإِنَّمَا نُرِيدُ بِهِ كَوْنَهُ مَوْجُودًا قَائِمًا بِالنَّفْسِ غَنِيًّا عَنِ الْمَحَلِّ وَأَمَّا سَائِرُ الْفِرَقِ فَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى إِنْكَارِ هَذَا الِاسْمِ.
وَلَنَا مَعَ الْكَرَامِيَّةِ مَقَامَانِ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِكَوْنِهِ جِسْمًا مَعْنًى غَيْرَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ، وَكَيْفَ لَا نَقُولُ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلَا يَقُولُونَ إِنَّهُ فِي الصِّغَرِ مِثْلُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ، وَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، بَلْ يقولون: إنه/ أعظم من العرش، وكان مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ ذَاتُهُ مُمْتَدَّةً مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الْعَرْشِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَكَانَ طَوِيلًا عَرِيضًا عَمِيقًا، فَكَانَ جِسْمًا بِمَعْنَى كَوْنِهِ طَوِيلًا عَرِيضًا عَمِيقًا، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّا أَرَدْنَا بِكَوْنِهِ جِسْمًا مَعْنًى غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى كَذِبٌ مَحْضٌ وَتَزْوِيرٌ صِرْفٌ. الْمَقَامُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: لَفْظُ الْجِسْمِ لَفْظٌ يُوهِمُ مَعْنًى بَاطِلًا، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُرُودِهِ فَوَجَبَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، لَا سِيَّمَا وَالْمُتَكَلِّمُونَ قَالُوا: لَفْظُ الْجِسْمِ يُفِيدُ كَثْرَةَ الْأَجْزَاءِ بِحَسَبِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الجسم يفيد أصل هذا المعنى.
إطلاق «الإنية»:
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ «الْإِنِّيَّةِ» عَلَى اللَّهِ تَعَالَى: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَسْتَعْمِلُهَا الْفَلَاسِفَةُ كَثِيرًا، وَشَرْحُهُ بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ أَنَّ لَفْظَةَ «إِنَّ» فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تُفِيدُ التَّأْكِيدَ وَالْقُوَّةَ فِي الْوُجُودِ، وَلَمَّا كَانَ الْحَقُّ ﷾ وَاجِبَ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَكَانَ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَكْمَلَ الْمَوْجُودَاتِ فِي تَأَكُّدِ الْوُجُودِ، وَفِي قُوَّةِ الْوُجُودِ، لَا جَرَمَ أَطْلَقَتِ الْفَلَاسِفَةُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ لفظ الإنية عليه.
إطلاق «الماهية»:
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ: اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ «الْمَاهِيَّةِ» لَيْسَ لَفْظًا مُفْرَدًا بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ، بَلِ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَقِيقَةٍ مِنَ الْحَقَائِقِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَمَا هِيَ؟ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ، فَلَمَّا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقَائِقِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ جَعَلُوا مَجْمُوعَ قَوْلِنَا مَا هِيَ كَاللَّفْظَةِ الْمُفْرَدَةِ، وَوَضَعُوا هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِإِزَاءِ الْحَقِيقَةِ فَقَالُوا مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ أَيْ حقيقته المخصوصة وذاته المخصوصة.
إطلاق لفظ «الحق»:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ «الْحَقِّ» اعْلَمْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إِنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَاتِ الشَّيْءِ كَانَ الْمُرَادُ كَوْنَهُ مَوْجُودًا وُجُودًا حَقِيقِيًّا فِي نَفْسِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَقَّ مُقَابِلٌ لِلْبَاطِلِ وَالْبَاطِلَ هُوَ الْمَعْدُومُ قَالَ لَبِيدٌ: -
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
فَلَمَّا كَانَ مُقَابِلُ الْحَقِّ هُوَ الْمَعْدُومَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ هُوَ الْمَوْجُودَ، وَأَمَّا إِنْ أُطْلِقَ لَفْظُ الْحَقِّ عَلَى الِاعْتِقَادِ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ صَوَابٌ مُطَابِقٌ لِلشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الِاعْتِقَادُ بِالْحَقِّ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ صَوَابًا مُطَابِقًا كَانَ وَاجِبَ التَّقْرِيرِ وَالْإِبْقَاءِ، وَأَمَّا إِنْ أُطْلِقَ لَفْظُ الْحَقِّ عَلَى الْقَوْلِ وَالْخَبَرِ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ
1 / 119