58

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Yayıncı

دار إحياء التراث العربي

Baskı Numarası

الثالثة

Yayın Yılı

١٤٢٠ هـ

Yayın Yeri

بيروت

Türler

Tefsir
الْوَاقِعَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ الْحَقُّ مِنْ جَانِبِي فَاللَّهُ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ خَصْمِي، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِنْ جَانِبِ خَصْمِي فَالْأَوْلَى أَنْ لَا أَظْلِمَهُ» / وَعِنْدَ هَذَا يُفَوِّضُ تِلْكَ الْحُكُومَةَ إِلَى اللَّهِ وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَغْضَبُ إِذَا أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ بِفَرْطِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ بِوَاسِطَتِهَا يَقْوَى عَلَى قَهْرِ الْخَصْمِ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَ فِي عَقْلِهِ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِ أَقْوَى وَأَقْدَرُ مِنِّي ثَمَّ إِنِّي عَصَيْتُهُ مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ وَأَنَّهُ بِفَضْلِهِ تَجَاوَزَ عَنِّي فَالْأَوْلَى لِي أَنْ أَتَجَاوَزَ عَنْ هَذَا الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَحْضَرَ فِي عَقْلِهِ هَذَا الْمَعْنَى تَرَكَ الْخُصُومَةَ وَالْمُنَازَعَةَ وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الْأَعْرَافِ: ٢٠١] وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا تَذَكَّرَ هَذِهِ الْأَسْرَارَ وَالْمَعَانِيَ أَبْصَرَ طَرِيقَ الرُّشْدِ فَتَرَكَ النِّزَاعَ وَالدِّفَاعَ وَرَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.
والخبر الثاني:
وروى مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَإِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَاتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ» .
قُلْتُ: وَتَقْرِيرُهُ مِنْ جَانِبِ الْعَقْلِ أَنَّ قَوْلَهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) مُشَاهَدَةٌ لِكَمَالِ عَجْزِ النَّفْسِ وَغَايَةِ قُصُورِهَا، وَالْآيَاتِ الثَّلَاثَ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ مُشَاهَدَةٌ لِكَمَالِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَكَمَالُ الْحَالِ فِي مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِهَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ.
الْخَبَرُ الثَّالِثُ:
رَوَى أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قال: «من اسْتَعَاذَ فِي الْيَوْمِ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَلَكًا يَذُودُ عَنْهُ الشَّيْطَانَ» .
قُلْتُ: وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) وَعَرَفَ مَعْنَاهُ عَرَفَ مِنْهُ نُقْصَانَ قُدْرَتِهِ وَنُقْصَانَ عِلْمِهِ، وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَا تَأْمُرُهُ بِهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْأَعْمَالِ الَّتِي تَدْعُوهُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا، وَالشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ هُوَ النَّفْسُ، فَثَبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ تَذُودُ الشَّيْطَانَ عَنِ الْإِنْسَانِ.
وَالْخَبَرُ الرَّابِعُ:
عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ عَنِ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ» .
قُلْتُ: وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَشْخَاصِ الرُّوحَانِيَّةِ فَوْقَ كثرة الأشخاص الجسمانية، وأن السموات مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ، كَمَا
قَالَ ﵊ «أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ»
وَكَذَلِكَ الْأَثِيرُ وَالْهَوَاءُ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ، وَبَعْضُهَا طَاهِرَةٌ مُشْرِقَةٌ خَيِّرَةٌ، وَبَعْضُهَا كَدِرَةٌ مُؤْذِيَةٌ/ شِرِّيرَةٌ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) فَقَدِ اسْتَعَاذَ بِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ مِنْ شَرِّ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ، وَأَيْضًا كَلِمَاتُ اللَّهِ هِيَ قَوْلُهُ: «كُنْ» وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ النَّافِذَةِ وَمَنِ اسْتَعَاذَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ.
وَالْخَبَرُ الْخَامِسُ:
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ مِنَ النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ شَرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ»
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُعَلِّمُهَا مَنْ بَلَغَ مِنْ عَبِيدِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ كَتَبَهَا فِي صَكٍّ ثُمَّ عَلَّقَهَا في عنقه.

1 / 78