46

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Yayıncı

دار إحياء التراث العربي

Baskı Numarası

الثالثة

Yayın Yılı

١٤٢٠ هـ

Yayın Yeri

بيروت

Türler

Tefsir
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: -
فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُبْ قليل مِنَ الْمَالِ
وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ ... وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجْدَ الْمُؤَثَّلَ أَمْثَالِي
فَقَوْلُهُ كَفَانِي وَلَمْ أَطْلُبْ لَيْسَا مُتَوَجِّهَيْنِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ كَفَانِي مُوَجَّهٌ إِلَى قَلِيلٍ مِنَ الْمَالِ، وَقَوْلُهُ وَلَمْ أَطْلُبْ غَيْرُ مُوَجَّهٍ إِلَى قَلِيلٍ مِنَ الْمَالِ، وَإِلَّا لَصَارَ التَّقْدِيرُ فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ لَمْ أَطْلُبْ قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ، وَكَلِمَةُ لَوْ تُفِيدُ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ مَا سَعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ طَلَبَ قَلِيلًا مِنَ الْمَالِ، وَهَذَا مُتَنَاقِضٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لِأَدْنَى مَعِيشَةٍ كَفَانِي قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ وَلَمْ أَطْلُبِ الْمُلْكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْفِعْلَانِ غَيْرُ مُوَجَّهَيْنِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلْنَكْتَفِ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ قَبْلَ الْخَوْضِ فِي التَّفْسِيرِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَفْسِيرِ (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فِي الْمَبَاحِثِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَفِيهِ أَبْوَابٌ: -.
الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ قَوْلِنَا: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم)
وقت قراءة الاستعاذة:
المسألة الأولى [وقت قراءة الاستعاذة]: اتَّفَقَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ وَقْتَ قِرَاءَةِ الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَعْدَهَا، وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ بِتَمَامِهَا وَقَالَ: (آمِينَ) فَبَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَالْأَوَّلُونَ احْتَجُّوا بِمَا
رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْلِ: ٩٨] دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ شَرْطٌ، وَذِكْرُ الِاسْتِعَاذَةِ جَزَاءٌ، وَالْجَزَاءُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الشَّرْطِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الِاسْتِعَاذَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالُوا: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْعَقْلِ، لِأَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ، فَلَوْ دَخَلَهُ الْعُجْبُ فِي أَدَاءِ تِلْكَ الطَّاعَةِ سَقَطَ ذَلِكَ الثَّوَابُ،
لِقَوْلِهِ ﵊ «ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ» وَذَكَرَ مِنْهَا إِعْجَابَ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ،
فَلِهَذَا السَّبَبِ أَمَرَهُ اللَّهُ ﷾ بِأَنْ يَسْتَعِيذَ مِنَ الشَّيْطَانِ، لِئَلَّا يَحْمِلَهُ الشَّيْطَانُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى عَمَلٍ يُحْبِطُ ثَوَابَ تِلْكَ الطَّاعَةِ.
قَالُوا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل: ٩٨] أَيْ إِذَا أَرَدْتَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَاسْتَعِذْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَةِ: ٦]

1 / 66