Mafātīḥ al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Yayıncı
دار إحياء التراث العربي
Baskı
الثالثة
Yayın Yılı
١٤٢٠ هـ
Yayın Yeri
بيروت
Türler
Tefsir
الْقِيَامَةِ كَالْأَمْرِ الْقَائِمِ فِي الْحَالِ الْحَاصِلِ فِي الْحَالِ، وَأَيْضًا مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ فَكَانَتِ الْقِيَامَةُ حَاصِلَةً فِي الْحَالِ فَزَالَ السُّؤَالُ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ أَسْمَاءِ نَفْسِهِ خَمْسَةً: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ/ وَالرَّحِيمُ، وَالْمَالِكُ. وَالسَّبَبُ فِيهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: خَلَقْتُكَ أَوَّلًا فَأَنَا إِلَهٌ. ثُمَّ رَبَّيْتُكَ بِوُجُوهِ النِّعَمِ فَأَنَا رَبٌّ، ثُمَّ عَصَيْتَ فَسَتَرْتُ عَلَيْكَ فَأَنَا رَحْمَنٌ، ثُمَّ تُبْتَ فَغَفَرْتُ لَكَ فَأَنَا رَحِيمٌ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ إِيصَالِ الْجَزَاءِ إِلَيْكَ فَأَنَا مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ فِي التَّسْمِيَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَفِي السُّورَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَالتَّكْرِيرُ فِيهِمَا حَاصِلٌ وَغَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ فَمَا الْحِكْمَةُ؟.
قُلْنَا: التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قِيلَ: اذْكُرْ أَنِّي إِلَهٌ وَرَبٌّ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاذْكُرْ أَنِّي رَحْمَنٌ رَحِيمٌ مَرَّتَيْنِ لِتَعْلَمَ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِالرَّحْمَةِ أَكْثَرُ مِنْهَا بِسَائِرِ الْأُمُورِ، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ الرَّحْمَةَ الْمُضَاعَفَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَغْتَرُّوا بِذَلِكَ فَإِنِّي مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ [غَافِرٍ: ٣] .
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: إِنْ كَانَ خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ هُوَ اللَّهَ امْتَنَعَ الْقَوْلُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَزَاءِ، لِأَنَّ ثَوَابَ الرَّجُلِ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَلْهُ عَبَثٌ، وَعِقَابَهُ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَلْهُ ظُلْمٌ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَبْطُلُ كَوْنُهُ مَالِكًا لِيَوْمِ الدِّينِ، وَقَالَتِ الْجَبْرِيَّةُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ أَعْمَالُ الْعِبَادِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَتَرْجِيحِهِ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا، وَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا لِلْعِبَادِ وَلِأَعْمَالِهِمْ، عَلِمْنَا أَنَّهُ خَالِقٌ لَهَا مُقَدِّرٌ لَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين
وفيه فوائد معنى قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ:
الفائدة الأولى: [معنى قوله: إياك نعبد وإياك نستعين] الْعِبَادَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي يُؤْتَى بِهِ لِغَرَضِ تَعْظِيمِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ، أَيْ مُذَلَّلٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَكَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ مَعْنَاهُ لَا أَعْبُدُ أَحَدًا سِوَاكَ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ وُجُوهٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعِبَادَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، وَهِيَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ غَايَةُ الْإِنْعَامِ، وَأَعْظَمُ وُجُوهِ الْإِنْعَامِ الْحَيَاةُ الَّتِي تُفِيدُ الْمُكْنَةَ مِنَ الِانْتِفَاعِ وَخَلْقُ الْمُنْتَفِعِ بِهِ، فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى- وَهِيَ الْحَيَاةُ الَّتِي تُفِيدُ الْمُكْنَةَ مِنَ الِانْتِفَاعِ- وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مَرْيَمَ: ٩] وَقَوْلِهِ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتًا فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨]- الآية وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ- وَهِيَ خَلْقُ الْمُنْتَفِعِ بِهِ- وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلَمَّا كَانَتِ الْمَصَالِحُ الْحَاصِلَةُ فِي هَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ إِنَّمَا/ تَنْتَظِمُ بِالْحَرَكَاتِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ إِجْرَاءِ الْعَادَةِ لَا جَرَمَ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الْبَقَرَةِ: ٢٩] فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ النِّعَمِ حَاصِلٌ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ لَا تُحْسِنَ الْعِبَادَةَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ يُفِيدُ الْحَصْرَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي دَلَائِلِ هَذَا الْحَصْرِ وَالتَّعْيِينِ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تعالى سمى نفسه هاهنا بِخَمْسَةِ أَسْمَاءٍ: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ،
1 / 208