بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم نحمدك يَا من هُوَ مَحْمُود بِكُل لِسَان
حمد من اتّصف بِالْإِيمَان بقوله وَعَمله والجنان
وننزهك يَا من لَيْسَ كمثله شَيْء فَلَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن
وَلَا يَخْلُو من علمه مَكَان
عَن كل مَا يصفك بِهِ أولو الزيغ والطغيان
والافتراء والبهتان
نصفك بِمَا وصفت بِهِ نَفسك فِي كتابك الْمنزل
وَبِمَا بلغنَا عَن نبيك الْمُصْطَفى الْمُرْسل
من غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل
وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل
وَنكل علم حَقِيقَة ذَلِك إِلَيْك يَا وَاجِب الْوُجُود
وَيَا مفيض الْكَرم على عِبَادك والجود
سُبْحَانَكَ لَا تمثلك الْعُقُول بالتفكير
وَلَا تتوهمك الْقُلُوب بالتصوير
فالخلق عاجزون عَن كنه الْحَقِيقَة
وَلَو خبروا الْعلم بأجمعه ودقيقه
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك شَهَادَة مقرّ بالعبودية لَا يَجْعَل بَيْنك وَبَينه أندادا
وَلَا ينقاد إِلَّا إِلَى شرعك الَّذِي أوحيته إِلَى نبيك انقيادا
ويجتهد فِيمَا يرضيك من الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل اجْتِهَادًا
عله أَن يبلغ من رضاك ورحمتك مرَادا
وَأَن ترزقه فِي دُنْيَاهُ وأخراه إسعادا
ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك خير خلقك ومهبط
1 / 41
وحيك والمبلغ لشرعك والأمين على مَا أنزلت عَلَيْهِ من كتابك وَدينك ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ﴾ آل عمرَان ١٩
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه عُمُوما البررة الْكِرَام السَّادة الْأَعْلَام
مَا سرت فِي ميادين الطروس وعَلى جباهها الأقلام
وَمَا غردت حمائم الأيك على الصون
وأطرب العيس حادي العيس بألطف الْأَلْفَاظ وأعذب اللحون
واستنبط من الْكتاب الْعَزِيز وَمَا صَحَّ عَن الْمُصْطَفى الْمُخْتَار أدق الْمعَانِي المستنبطون وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد فَيَقُول الْفَقِير لعفو ربه المنان عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن مصطفى بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الْمَشْهُور كأسلافه بِابْن بدران أنني لما من الله عَليّ بِطَلَب الْعلم هجرت لَهُ الوطن والوسن وَكنت أبكر فِيهِ بكور الْغُرَاب وأطوف الْمعَاهد لتحصيله وأذهب فِيهِ كل مَذْهَب وأتبع فِيهِ كل شعب وَلَو كَانَ عسرا أشرف على كل يفاع كل غور فَتَارَة أطوح بنفسي فِيمَا سلكه ابْن سينا فِي الشفار والإشارات وَتارَة أتلقف مَا سبكه أَبُو نصر الفارابي من صناعَة الْمنطق وَتلك الْعبارَات
وَتارَة أجول فِي مَوَاقِف الْمَقَاصِد والمواقف
وَأَحْيَانا أطلب الْهِدَايَة ظنا مني أَنَّهَا تهدي إِلَى رشد
فأضم إِلَيْهَا مَا سلكه ابْن رشد
ثمَّ أردد فِي الطبيعي والإلهي نظرا
وَفِي تشريح الأفلاك أتطلب خَبرا أَو خَبرا
ثمَّ أجول فِي ميادين الْعُلُوم مُدَّة كعدد السَّبع الْبَقَرَات الْعِجَاف فأرتد إِلَيّ الطّرف خاسئا وَهُوَ حسير وَلم أحصل من معرفَة الله ﷻ إِلَّا على أَوْهَام وخطرات وساوس وأشكال تنشأ من الْبَحْث والتدقيق فأدفعه بِمَا أقنع نَفسِي بنفسي فَلَمَّا هَمت فِي تِلْكَ الْبَيْدَاء الَّتِي هِيَ على حد قَول أبي الطّيب يَتلون الخريت من خوف التوى فِيهَا كَمَا تلون الحرباء
1 / 42
ناداني مُنَادِي الْهدى الْحَقِيقِيّ هَلُمَّ إِلَى الشّرف والكمال ودع نجاة ابْن سينا الموهومة إِلَى النجَاة الْحَقِيقِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا بِأَن تكون على مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف الْكِرَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فَإِن الْأَمر لَيْسَ على مَا تتوهم وَحَقِيقَة الرب لَا يُمكن أَن يُدْرِكهَا المربوب وَمَا السَّلامَة إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكتاب الله حق وَلَيْسَ بعد الْحق إِلَّا الضلال
فهنالك هدأ روعي وَجعلت عقيدتي كتاب الله أكل علم صِفَاته إِلَيْهِ بِلَا تجسيم وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَعْطِيل وانجلى مَا كَانَ على قلبِي من رأن أورثته قَوَاعِد أرسطوطاليس وَقلت مَا كَانَ إِلَّا من النّظر فِي تِلْكَ الوساوس والبدع والدسائس فَمن أَيْن لعباد الْكَوَاكِب أَن يرشدونا إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَمَا كَانُوا مهتدين
وَمن أَيْن لأَصْحَاب المقالات أَن يعلمُوا حَقِيقَة قيوم الأَرْض وَالسَّمَوَات وَلَو كَانَت حَقِيقَة صِفَات الله تَعَالَى تدْرك بالعقول لوصل أَصْحَاب رسائل إخْوَان الصفاء إِلَى الصَّفَا ولاتصل صَاحب النَّجَاء والشفاء إِلَى النجَاة وغليل لبه وشفا وَلَكِن ﴿وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا﴾ وَأَيْنَ هم من قَوْله ﷺ عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة لَكِن من اتبع هَوَاهُ هام فِي كل وَاد وَلم يبال بِأَيّ شعب سلك وَلَا بِأَيّ طَرِيق هلك
1 / 43
فَمن ثمَّ جعلت شغلي كتاب الله تدريسا وتفسيرا أَو بِسنة نبيه الْمُخْتَار قِرَاءَة أَيْضا وشرحا وتحريرا فَللَّه الْحَمد على هَذِه الْمِنَّة وأسأله الثَّبَات على ذَلِك وازدياد النِّعْمَة ثمَّ إِنِّي زججت نَفسِي فِي بحار الْأُصُول وَالْفُرُوع والبحث عَن الْأَدِلَّة حَتَّى لَا أكون منقادا لكل قَائِد وَلَا مُقَلدًا تقليدا أعمى لمن يَقُودهُ فَإِن هَذِه حَالَة لَا يرضى بهَا الصّبيان فضلا عَمَّن أُوتِيَ شَيْئا من الْعقل ثمَّ سبرت الْمذَاهب المتبوعة الْآن وَكَثِيرًا من غير المتبوعة فَوجدت كلا مِنْهُم قدس الله أسرارهم وَجعل فِي عليين مَنَازِلهمْ قد اجْتهد فِي طلب الْحق وَلم يأل جهدا فِي طلبه وَلَا قصر فِي اجْتِهَاده بل قَامَ بِمَا عهد إِلَيْهِ حق الْقيام ونصح الْأمة واجتنب كل مَا يشين غير أَن الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل ﵁ كَانَ أوسعهم معرفَة بِحَدِيث رَسُول الله ﷺ كَمَا يعلم من اطلع على مُسْنده الْمَشْهُور وَأَكْثَرهم تتبعا لمذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَلذَلِك كَانَ مذْهبه مؤيدا بالأدلة السمعية حَتَّى كَأَنَّهُ ظهر فِي الْقرن الأول لشدَّة اتِّبَاعه لِلْقُرْآنِ وَالسّنة إِلَّا أَنه كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لشدَّة ورعه ينْهَى عَن كِتَابَة كَلَامه ليبقي بَاب الِاجْتِهَاد لمن هُوَ أهل لَهُ مَفْتُوحًا وليعلم الْقَوْم أَن فضل الله لَا يَنْقَطِع وَأَن خزائنه لم تنفذ على عكس مَا يَدعِيهِ القاصرون وينتحله المبطلون ولحسن نِيَّته قيض الله من دون فَتَاوَاهُ وَجَمعهَا ورتبها حَتَّى صَار لَهُ مَذْهَب مُسْتَقل مَعْدُود بَين
1 / 44
الْأَئِمَّة الَّذين دونوا وألفوا ثمَّ هيأ الله لَهُ أتباعا وأصحابا سلكوا فِي رواياته مَسْلَك الِاجْتِهَاد كَمَا تعلمه مِمَّا سَيَأْتِي وألفوا فِي ذَلِك المطولات والمتوسطات والمختصرات فجزاهم الله خيرا غير أَنهم تركُوا اصْطِلَاحَات مُتَفَرِّقَة فِي غُضُون الْكتب لَا يعلمهَا إِلَّا المتقنون وسلكوا مسالك لَا يُدْرِكهَا إِلَّا المحصلون وَأصَاب هَذَا الْمَذْهَب مَا أصَاب غَيره من تشَتت كتبه حَتَّى آلت إِلَى الاندراس وأكب النَّاس على الدُّنْيَا فنظروا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ منهل سنة وَفقه صَحِيح لَا مورد مَال فهجره كثير مِمَّن كَانَ مُتبعا لَهُ رَجَاء طلب قَضَاء أَو وَظِيفَة فَمن ثمَّ تقلص ظله من بِلَادنَا السورية وخصوصا فِي دمشق إِلَّا قَلِيلا وأشرق نوره فِي الْبِلَاد النجدية من جَزِيرَة الْعَرَب وهب قوم كرام مِنْهُم لطبع كتبه وأنفقوا الْأَمْوَال الطائلة لإحياء هَذَا الْمَذْهَب لَا يطْلبُونَ بذلك إِلَّا وَجه الله تَعَالَى وَلَا يقصدون إِلَّا إحْيَاء مَذْهَب السّلف وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون فجزاهم الله خيرا وَأحسن إِلَيْهِم على أَن قوما من أولي التَّقْلِيد الْأَعْمَى أسراء الْوَهم والخيالات الْفَاسِدَة وَالْجهل الْمركب يطعنون فِي أُولَئِكَ وينفرون النَّاس مِنْهُم وَمَا ذَلِك إِلَّا أَن الله أَرَادَ بأولئك الْقَوْم خيرا فاظهر لَهُم أَعدَاء لينشروا فَضلهمْ من حَيْثُ لَا يعلمُونَ ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ الشُّعَرَاء ٢٢٧ وَمَا هَؤُلَاءِ إِلَّا على حد مَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي فِي أَوَائِل تَارِيخه عَن أبي يحيى السكرِي قَالَ دخلت مَسْجِد دمشق فَرَأَيْت بِهِ حلقا فَقلت هَذَا بلد دخله جمَاعَة من الصَّحَابَة فملت إِلَى حَلقَة فِي صدرها شيخ جَالس فَجَلَست إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل أَمَامه من عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ خفاق يَعْنِي ضَعِيفا كَانَ بالعراق اجْتمعت عَلَيْهِ جمَاعَة فقصد أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يحاربه فنصره الله عَلَيْهِ قَالَ فاستعظمت ذَلِك وَقمت فَرَأَيْت فِي جَانب
1 / 45
الْمَسْجِد شَيخا يُصَلِّي إِلَى سَارِيَة حسن السمة وَالصَّلَاة والهيئة فَقلت لَهُ يَا شيخ أَنا رجل من أهل الْعرَاق جَلَست إِلَى تِلْكَ الْحلقَة وقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ فِي هَذَا الْمَسْجِد عجائب بَلغنِي أَن بَعضهم يطعن على أبي مُحَمَّد الْحجَّاج بن يُوسُف فعلي بن أبي طَالب من هُوَ ثمَّ جعل يبكي انْتهى
فَهَؤُلَاءِ مَا عرفُوا إِلَّا عليا المركون فِي مخيلتهم وَلم يعلمُوا عليا الْحَقِيقِيّ وَكَذَلِكَ الَّذين يطعنون على المتبعين لمَذْهَب السّلف يطعنون على قوم لَا وجود لَهُم إِلَّا فِي مخيلتهم الْفَاسِدَة وتصوراتهم المختلة وَلَو فَهموا حَقِيقَة الْقَوْم لانقادوا إِلَيْهِم وجعلوهم أَئِمَّة هدَاهُم وَلذَلِك وضعت كتابي خدمَة لهَذَا الْمَذْهَب الْحق ومشاركة لَهُم فِي إحيائه عله ينالني من الْأجر مَا ينالون وَمن الْخَيْر وَالْبركَة مَا يؤملون
وَلما رتبته وأتممته وسميته بالمدخل إِلَى مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل وضمنته جلّ مَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته المشتغل بِهَذَا الْمَذْهَب وسلكت بِهِ مسلكا لم أجد غَيْرِي سلكه حَتَّى صَار بحيا يسْتَحق أَن يكون مدخلًا لسَائِر الْمذَاهب وَلَيْسَ على المخترع أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْأَقْسَام بل عَلَيْهِ أَن يفتح الْبَاب ثمَّ لَا يَخْلُو فِيمَا بعد من مستحسن لَهُ يقف عِنْد مَا دونه أَو مُسْتَدْرك عَلَيْهِ بِذكر مَا أخل بِهِ أَو مُخْتَصر لَهُ يحذف مَا يرَاهُ من الزِّيَادَات يزعمه على أَنه لَا يُمكن الْإِنْسَان أَن يَأْتِي بِمَا يستحسنه جَمِيع الْبشر فَإِن هَذَا شَأْن الْعلي الْأَعْلَى جلّ وَعلا
ورتبت هَذَا الْمدْخل على ثَمَانِيَة عُقُود عدد أَبْوَاب الْجنان رَجَاء أَن يدخلنا الله يَوْم الْقِيَامَة مِنْهَا كلهَا وَهَذِه فهرست تِلْكَ الْعُقُود
1 / 46
العقد الأول فِي العقائد الَّتِي نقلت عَن الإِمَام المبجل أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل
العقد الثَّانِي فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره
العقد الثَّالِث فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته
العقد الرَّابِع فِي مَسْلَك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي
العقد الْخَامِس فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب وَفِي فن الجدل
العقد السَّادِس فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ المبتدىء
العقد السَّابِع فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان
العقد الثَّامِن فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر ورد الْعَجز على الصَّدْر
وَهَذِه طلائع تِلْكَ الْعُقُود وَمَا أودع فِيهَا من الْفقر والدرر وَالله الْمعِين
1 / 47
العقد الأول
فِي العقائد الَّتِي نقلت عَن الإِمَام المبجل أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل اعْلَم أننا ذاكرون إِن شَاءَ الله مَا كَانَ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد من الِاعْتِقَاد الَّذِي هُوَ مَذْهَب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين والسادة الْمُحدثين رضوَان الله عَلَيْهِم ولسنا نذْكر إِلَّا مَا نَقله لنا الثِّقَات من كَلَامه فِي هَذَا النَّوْع ليستغني بذلك أَتْبَاعه عَمَّا ألف فِي علم العقائد عُمُوما مِمَّا دخله التَّأْوِيل والتعطيل والتشبيه والتمثيل أَو حام حول الْحُلُول والاتحاد أَو كَانَ من قبيل مغالطة الْخصم فِي الجدل فَظَنهُ الغبي مذهبا لقائله فقلده بِهِ تقليدا أعمى فضل وأضل حَيْثُ إِن مسالك الجدل غير مسالك الِاعْتِقَاد وَأَنت إِذا طرحت التعصب وَنظرت فِي كتب عُلَمَاء الْكَلَام الموثوق بهم بإنصاف وسبرت غورهم فِي عقائدهم تجدها رَاجِعَة إِلَى عقيدة السّلف إِمَّا بالاضطرار وَإِمَّا بِصَرِيح التَّصْرِيح أَو التَّلْوِيح كَمَا جرى لأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَإِنَّهُ لما ألف الْكتب فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة على طَريقَة فن الجدل أعلن أخيرا بِبَيَان عقيدته فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالإنابة عَن مَذْهَب أهل الْحق وَصرح فِيهِ بِأَن مذْهبه مَذْهَب الصَّحَابَة وتابعيهم بِإِحْسَان فَمن فهم مقاصده أصبح سلفيا
1 / 49
بحتا وَمن لم يفهم موارده الْتقط مسَائِل كتبه الَّتِي رد بهَا على الْمُعْتَزلَة على علاتها وَجعلهَا مذهبا لَهُ ونسبها إِلَى الْأَشْعَرِيّ وَمَا رَأَيْت أحدا من الأشاعرة كشف هَذَا الْمَعْنى ونادى بِالصَّوَابِ سوى الشَّيْخ مُحَمَّد بن يُوسُف السنوسي فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح لَهُ صَغِير على عقيدته الْمَشْهُورَة الْمُسَمَّاة بِأم الْبَرَاهِين عِنْد الْكَلَام على صفة الْكَلَام مَا نَصه وكنه هَذِه الصّفة يَعْنِي صفة الْكَلَام وَسَائِر صِفَات الله جلّ وَعز مَحْجُوب عَن الْعقل كالذات الْعلية فَلَيْسَ لأحد أَن يَخُوض فِي الكنه بعد مَا يجب لذاته سُبْحَانَهُ أَو لصفاته وَمَا يُوجد فِي الْكتب من التَّمْثِيل بالكمال النَّفْسِيّ إِنَّمَا هُوَ للرَّدّ على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا إِن الْكَلَام لَا يُوجد من غير حرف وَلَا صَوت فَقَالَ أهل السّنة إِنَّا نجد لنا كلَاما نفسيا بِلَا حرف وَلَا صَوت وَفِيه من كَلَام الفصحاء إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا
وَمَا قصدُوا إِلَّا التَّمْثِيل من حَيْثُ الْحَرْف وَالصَّوْت فَقَط أما الْحَقِيقَة فَجلت صِفَات الله أَن يماثلها شَيْء من صِفَات خلقه فَإِن كلامنا النَّفْسِيّ فِيهِ حُرُوف متعاقبة تنعدم وتحدث وَيُوجد فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وترتيب وَغير ذَلِك فاعرف هَذَا فقد زلت هُنَا أَقْدَام لم تؤيد بِنور من الْملك العلام
هَذَا كَلَامه فقد صرح بِالْحَقِّ وَلم يخْش فِيهِ لومة لائم ولي فِي هَذَا مَسْلَك
1 / 50
آخر وَهُوَ أَن الْأَعْيَان إِمَّا جَوَاهِر وَإِمَّا أَعْرَاض وَالْكَلَام لَا شكّ فِي أَنه عرض يحْتَاج إِلَى مَحل يقوم بِهِ وَهُوَ الْجَوْهَر وَهُوَ يَقْتَضِي أَن وجود الْجَوْهَر سَابق على وجود الْعرض فَإِذا قُلْنَا بالْكلَام النَّفْسِيّ لزم أَن يكون ذَلِك الْعرض قَائِما بالجوهر وَهُوَ النَّفس وَلزِمَ مِنْهُ إِثْبَات النَّفس لله تَعَالَى وحدوث الْكَلَام ضَرُورَة أَن الْعرض حَادث لَا محَالة وَحِينَئِذٍ فإمَّا أَن نبقي الْكَلَام على ظَاهره وندعي حُدُوث كَلَامه تَعَالَى وَثُبُوت النفسية لَهُ تَعَالَى وَهُوَ خلاف الْمَطْلُوب تنزيهه تَعَالَى عَن سمات الْحَوَادِث وَيلْزم مِنْهُ أَن الْكَلَام صفة لله تَعَالَى قَائِمَة بِذَاتِهِ وَهُوَ حَادث والمركب من الْحَادِث وَالْقَدِيم حَادث وينتج الدَّلِيل أَنه تَعَالَى حَادث وَهُوَ خلاف الْمُدعى لِأَنَّهُ إِقَامَة الدَّلِيل على قدم الصِّفَات والذات مَعًا وَإِمَّا أَن نجنح إِلَى التَّأْوِيل فَنَقُول كَلَام نَفسِي يَلِيق بِذَاتِهِ فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ قل من أول الْأَمر وكلم الله مُوسَى تكليما بِكَلَام يَلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاقْتصر على هَذَا ودع عَنْك ذَلِك التَّطْوِيل الَّذِي لَيْسَ هُوَ من شَأْن البلغاء والعقلاء وَمثل هَذَا يُقَال فِي تَأْوِيل الْيَد بِالْقُدْرَةِ والاستواء بِالِاسْتِيلَاءِ فَإِن الْقُدْرَة صفة مُشْتَركَة بَين الْخَالِق والمخلوق فَإِذا قلت بهَا لزمك أَن تَقول قدرَة تلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى فاطرح هَذَا وَقل يَد تلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فالقدرة عرض تحْتَاج إِلَى أَن تقوم بالجوهر وَيلْزم فِي ذَلِك مَا لزم فِي صفة الْكَلَام من الْحُدُوث لله تَعَالَى وَأما الِاسْتِيلَاء فَإِن مادته تَقْتَضِي سبق مستول سَابق وَأَن الثَّانِي قهر الأول وَاسْتولى على مَا كَانَ مستوليا عَلَيْهِ فليت شعري من كَانَ المستولي أَولا على الْعَرْش حَتَّى إِن الله تَعَالَى قهره وَاسْتولى عَلَيْهِ أَلا يرى أَن قَوْلهم اسْتَوَى بشر على الْعرَاق
1 / 51
يُنَادي على أَن الْعرَاق لم يكن بيد بشر بل كَانَ فِي يَد غَيره ثمَّ إِن بشرا غلب ذَلِك المستولي وَضم الْعرَاق إِلَيْهِ أفيليق بشأن عَاقل أَن يصف ربه بِتِلْكَ الصِّفَات تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
وَحَيْثُ تبين أَن الْحق الصراح هُوَ مَذْهَب السّلف وَأَن هَذَا الْمَذْهَب ظهر على لِسَان الْأَئِمَّة وأخصهم بذلك الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَجب علينا أَن ننقل لطلاب الْيَقِين كَلَامه بنصه ليهتدوا بِهِ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَنَقُول روى القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن خلف الْفراء فِي الطَّبَقَات والحافظ أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْجَوْزِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي كِتَابه مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد وَذكر القَاضِي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح فِي كِتَابه الْمَقْصد الأرشد أَن أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد البردعي التَّمِيمِي قَالَ لما أشكل على مُسَدّد بن مسر هد أَمر الْفِتْنَة يَعْنِي فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَمَا وَقع فِيهِ النَّاس من الِاخْتِلَاف فِي الْقدر والرفض والاعتزال وَخلق الْقُرْآن والإرجاء كتب إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل أَن أكتب إِلَيّ سنة رَسُول الله ﷺ فَلَمَّا ورد الْكتاب على أَحْمد بن حَنْبَل بَكَى وَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون يزْعم هَذَا الْبَصْرِيّ أَنه قد أنْفق على الْعلم مَالا عَظِيما وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَيّ سنة رَسُول الله ﷺ فَكتب إِلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي كل زمَان بقايا من أهل الْعلم يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى وَينْهَوْنَ عَن الردى ويحيون بِكِتَاب الله الْمَوْتَى
1 / 52
وبسنة رَسُول الله ﷺ أهل الْجَهَالَة والردى فكم من قيل لإبليس قد أحيوه وَكم من ضال تائه قد هدوه فَمَا أحسن آثَارهم على النَّاس ينفون عَن دين الله تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الضَّالّين الَّذين عقدوا ألوية الْبدع وأطلقوا عنان الْفِتْنَة مخالفين فِي الْكتاب يَقُولُونَ على الله وَفِي الله ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا﴾ فِي كِتَابه بِغَيْر علم
فنعوذ بِاللَّه من كل فتْنَة مضلة وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي وَآله وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد وفقنا الله وَإِيَّاكُم لكل مَا فِيهِ رِضَاهُ وطاعته وجنبنا وَإِيَّاكُم مَا فِيهِ سخطه واستعملنا وَإِيَّاكُم عمل الخاشعين لَهُ العارفين بِهِ الْخَائِفِينَ مِنْهُ فَإِنَّهُ المسؤول ذَلِك وأوصيكم وَنَفْسِي بتقوى الله الْعَظِيم وَلُزُوم السّنة وَالْجَمَاعَة فقد علمْتُم مَا حل بِمن خالفها وَمَا جَاءَ فِيمَن أتبعهَا فَإِنَّهُ بلغنَا عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ إِن الله ليدْخل العَبْد الْجنَّة بِالسنةِ يتَمَسَّك بهَا وآمركم أَن لَا تؤثروا على الْقُرْآن شَيْئا فَإِنَّهُ كَلَام الله وَمَا تكلم الله بِهِ فَلَيْسَ بمخلوق وَمَا أخبر بِهِ عَن الْقُرُون الْمَاضِيَة فَلَيْسَ بمخلوق وَمَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَمَا فِي الْمُصحف وتلاوة النَّاس وكيفما قرىء وكيفما وصف فَهُوَ كَلَام الله غير مَخْلُوق فَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم وَمن لم يكفره فَهُوَ كَافِر ثمَّ من بعد كتاب الله سنة نبيه ﷺ والْحَدِيث عَنهُ وَعَن المهديين من أَصْحَاب النَّبِي ﷺ وَالتَّابِعِينَ من بعدهمْ والتصديق
1 / 53
بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَاتِّبَاع السّنة نجاة وَهِي الَّتِي نقلهَا أهل الْعلم كَابِرًا عَن كَابر واحذروا رَأْي جهم فَإِنَّهُ صَاحب رَأْي وَكَلَام وخصومات وَأما الْجَهْمِية فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم قَالُوا إِن الْجَهْمِية افْتَرَقت ثَلَاث فرق فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ مَخْلُوق وَقَالَت طَائِفَة الْقُرْآن كَلَام الله وسكتت وَهِي الواقفة الملعونة
وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ألفاظنا بِالْقُرْآنِ مخلوقة فَهَؤُلَاءِ كلهم جهمية كفار يستتابون فَإِن تَابُوا وَإِلَّا قتلوا
وَأجْمع من أدركنا من أهل الْعلم على أَن من هَذِه مقَالَته إِن لم يتب لم يناكح وَلَا يجوز قَضَاؤُهُ وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته وَالْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص زِيَادَته إِذا أَحْسَنت ونقصانه إِذا أساءت وَيخرج الرجل من الْإِيمَان إِلَى الْإِسْلَام فَإِن تَابَ رَجَعَ إِلَى الْإِيمَان وَلَا يُخرجهُ من الْإِسْلَام إِلَّا الشّرك بِاللَّه الْعَظِيم أَو برد فَرِيضَة من فَرَائض الله جاحدا لَهَا فَإِن تَركهَا كسلا أَو تهاونا بهَا كَانَ فِي مَشِيئَة الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ
وَأما الْمُعْتَزلَة فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم يكفرون بالذنب وَمن كَانَ مِنْهُم كَذَلِك فقد زعم أَن آدم كَانَ كَافِرًا وَأَن إخْوَة يُوسُف حِين كذبُوا أباهم ﵇ كَانُوا كفَّارًا وأجمعت الْمُعْتَزلَة على أَن من سرق حَبَّة فَهُوَ كَافِر وَفِي لفظ فِي النَّار تبين مِنْهُ امْرَأَته ويستأنف الْحَج إِن كَانَ حج فَهَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ بِهَذِهِ الْمقَالة كفَّارًا وحكمهم أَلا يكلموا وَلَا يناكحوا وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَلَا تقبل شَهَادَتهم حَتَّى يتوبوا
1 / 54
وَأما الرافضة فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم قَالُوا إِن عليا بن أبي طَالب أفضل من أبي بكر الصّديق وَأَن إِسْلَام عَليّ كَانَ أقدم من إِسْلَام أبي بكر فَمن زعم أَن عليا بن أبي طَالب أفضل من أبي بكر فقد رد الْكتاب وَالسّنة يَقُول الله تَعَالَى ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ الْفَتْح ٩٢ فَقدم الله أَبَا بكر بعد النَّبِي وَلم يقدم عليا وَقَالَ النَّبِي ﷺ لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن الله قد اتخذ صَاحبكُم خَلِيلًا يَعْنِي نَفسه وَلَا نَبِي بعدِي وَمن زعم أَن إِسْلَام عَليّ كَانَ أقدم من إِسْلَام أبي بكر فقد أَخطَأ لِأَن أَبَا بكر أسلم وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة وَعلي يَوْمئِذٍ ابْن سبع سِنِين لم تجر عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَالْحُدُود والفرائض
ونؤمن بِالْقضَاءِ وَالْقدر خَيره وشره وحلوه ومره من الله وَأَن الله خلق الْجنَّة قبل خلق الْخلق وَخلق لَهَا أَهلا وَنَعِيمهَا دَائِم فَمن زعم أَنه يبيد من الْجنَّة شَيْء فَهُوَ كَافِر وَخلق النَّار قبل خلق الْخلق وَخلق لَهَا أَهلا وعذابها دَائِم وَأَن الله يخرج أَقْوَامًا من النَّار بشفاعة النَّبِي مُحَمَّد ﷺ وَأَن أهل الْجنَّة يرَوْنَ رَبهم بِأَبْصَارِهِمْ لَا محَالة وَأَن الله كلم مُوسَى تكليما وَاتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا
1 / 55
وَالْمِيزَان حق والصراط حق والأنبياء حق وَعِيسَى ابْن مَرْيَم عبد الله وَرَسُوله وكلمته وَالْإِيمَان بالحوض والشفاعة وَالْإِيمَان بالعرش والكرسي وَالْإِيمَان بِملك الْمَوْت وَأَنه يقبض الْأَرْوَاح ثمَّ ترد إِلَى الأجساد فِي الْقُبُور ويسألون عَن الْإِيمَان والتوحيد وَالرسل وَالْإِيمَان بمنكر وَنَكِير وَعَذَاب الْقَبْر وَالْإِيمَان بالنفخ فِي الصُّور والصور قرن ينْفخ فِيهِ إسْرَافيل وَأَن الْقَبْر الَّذِي هُوَ بِالْمَدِينَةِ قبر النَّبِي ﷺ مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَقُلُوب الْعباد بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن ﷿ والدجال خَارج فِي هَذِه الْأمة لَا محَالة وَينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم إِلَى الأَرْض فيقتله بِبَاب لد وَمَا أنكرته الْعلمَاء من أهل السّنة من الشُّبْهَة فَهُوَ مُنكر واحذروا الْبدع كلهَا وَلَا عين تطرف بعد النَّبِي ﷺ أفضل من أبي بكر وَلَا عين تطرف بعد أبي بكر أفضل من عمر وَلَا بعد عمر عين تطرف أفضل من عُثْمَان
وَلَا بعد عُثْمَان بن عَفَّان عين تطرف أفضل من عَليّ بن أبي طَالب قَالَ أَحْمد كُنَّا نقُول أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ونسكت عَن عَليّ حَتَّى صَحَّ لنا حَدِيث ابْن عمر بالتفضيل
1 / 56
قَالَ أَحْمد هم وَالله الْخُلَفَاء الراشدون المهديون
وَإِنَّا نشْهد للعشرة أَنهم فِي الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَمن شهد لَهُ النَّبِي ﷺ بِالْجنَّةِ شَهِدنَا لَهُ بهَا
وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة زِيَادَة فِي الْحَسَنَات والجهر بآمين عِنْد قَول الإِمَام وَلَا الضَّالّين وَالصَّلَاة على من مَاتَ من أهل هَذِه الْقبْلَة وحسابهم على الله ﷿ وَالْخُرُوج مَعَ كل إِمَام خرج فِي غَزْوَة وَحجَّة وَالصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر صَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَالدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين بالصلاح وَلَا نخرج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ وَلَا نُقَاتِل فِي الْفِتْنَة وَلَا نبالي على أحد من الْمُسلمين أَن يَقُول فلَان فِي الْجنَّة وَفُلَان فِي النَّار إِلَّا الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم النَّبِي ﷺ بِالْجنَّةِ والكف عَن مساوىء أَصْحَاب رَسُول الله ﷺ تحدثُوا بفضائلهم وأمسكوا عَمَّا شجر بَينهم وَلَا تشَاور أهل الْبدع فِي دينك وَلَا ترافق أحدا مِنْهُم فِي سفرك وصفوا الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه وانفوا عَن الله مَا نَفَاهُ عَن نَفسه واحذروا الْجِدَال مَعَ أَصْحَاب الْأَهْوَاء وَلَا نِكَاح إِلَّا بولِي وخاطب وشاهدي عدل والمتعة حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالتَّكْبِير على الْجَنَائِز أَربع فَإِن كبر الإِمَام خمْسا فَكبر مَعَه كَفعل عَليّ بن أبي طَالب قَالَ عبد الله بن مَسْعُود كبر مَا
1 / 57
كبر إمامك قَالَ أَحْمد خالفني الشَّافِعِي فَقَالَ إِن زَاد على أَربع تَكْبِيرَات تُعَاد الصَّلَاة وَاحْتج عَليّ بِحَدِيث النَّبِي ﷺ أَنه صلى على جَنَازَة فَكبر أَرْبعا وَفِي رِوَايَة صلى على النَّجَاشِيّ فَكبر أَرْبعا وَزَاد ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد وَمن طلق ثَلَاثًا فِي لفظ وَاحِد فقد جهل وَحرمت عَلَيْهِ زَوجته وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة فِي رِوَايَة الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة وَصَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى وَلَا صَلَاة قبل الْعِيد وَإِذا دخلت الْمَسْجِد فَلَا تجْلِس حَتَّى تصلي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَالْوتر رَكْعَة وَالْإِقَامَة فُرَادَى أَحبُّوا أهل السّنة على مَا كَانَ مِنْهُم أماتنا الله وَإِيَّاكُم على الْإِسْلَام وَالسّنة ورزقنا وَإِيَّاكُم الْعلم ووفقنا وَإِيَّاكُم لما يحب ويرضى هَذَا آخر مَا اتَّصل بِنَا مِمَّا كتبه الإِمَام إِلَى مُسَدّد رحمهمَا الله تَعَالَى
وَفِي الْأُصُول الَّتِي نقلنا عَنْهَا خلاف فِي بعض الْمسَائِل بِحَيْثُ تُوجد الْمَسْأَلَة فِي رِوَايَة ابْن الْجَوْزِيّ وَلم تُوجد فِيمَا نَقله صَاحب الْمَقْصد وَقد ضممنا زِيَادَة بعض إِلَى بعض
1 / 58
وَأما التَّصْرِيح باللعن فَلم نجده إِلَّا فِيمَا نَقله الْبُرْهَان بن مُفْلِح وَلَعَلَّه من زِيَادَة الروَاة فَإِن ورع وزهده يَأْبَى لَهُ ذَلِك وَبَقِي فِي هَذِه الرسَالَة مَوَاضِع تحْتَاج إِلَى بَيَان لَا بَأْس بإيراده فلنذكره على شريطة التَّلْخِيص فَنَقُول الْموضع الأول قَول الإِمَام فِي قدم الْقُرْآن وَمَا فِي الْمُصحف وتلاوة النَّاس غير مَخْلُوق مَعْنَاهُ أَن الْقُرْآن مهما تكيف بكيفية فَهُوَ كَلَام الله وَكَلَامه تَعَالَى غير مَخْلُوق سَوَاء كتب فِي الْمَصَاحِف أَو تكلم بِهِ التَّالِي فَإِنَّهُ لَا يخرج عَن كَونه كَلَام الله تَعَالَى وَإِيَّاك أَن تذْهب فِي كَلَامه مَذْهَب سعد الدّين مَسْعُود التَّفْتَازَانِيّ فِي شَرحه لعقائد النَّسَفِيّ حَيْثُ نسب إِلَى بعض الْأَصْحَاب أَنهم يَقُولُونَ بقدم جلد الْمُصحف والكاغد والحبر الَّذِي كتب بِهِ الكاغد فَتكون قد أعظمت الافتراء على الْقَوْم ونسبت إِلَيْهِم مَا لم يقل بِهِ عَاقل فضلا عَن أَئِمَّة أَعْلَام وَلم تدر أَن مُرَادهم تَنْزِيه كَلَام الله تَعَالَى عَن أَن ينْسب إِلَيْهِ كَونه مخلوقا فَإِنَّهُ مهما قرىء أَو كتب فَلَا يخرج عَن كَونه كَلَام الله تَعَالَى وَلَا يَلِيق بِأحد أَن يَدعِي أَن كَلَامه تَعَالَى مَخْلُوق فحقق هَذَا الْمقَام واطرح التعصب ينور الله قَلْبك بِنور الْإِيمَان والعرفان
الْموضع الثَّانِي قَوْله واحذروا رَأْي جهم أَرَادَ بِهِ جهما بن صَفْوَان وَهُوَ من الجبرية الْخَالِصَة ظَهرت بدعته بترمز وَقَتله سلم بن يمر فِي آخر ملك بني أُميَّة وَوَافَقَ الْمُعْتَزلَة فِي نفي الصِّفَات الأزلية وَزَاد عَلَيْهِم بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْله لَا يجوز أَن يُوصف الْبَارِي تَعَالَى بِصفة تكون مُشْتَركَة بَينه وَبَين خلقه لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي تَشْبِيها فَقَالَ لَا يجوز أَن يُوصف تَعَالَى بِكَوْنِهِ حَيا عَالما وَأثبت كَونه قَادِرًا فَاعِلا لِأَنَّهُ لَا يُوصف شَيْء من خلقه بِالْقُدْرَةِ وَالْفِعْل والخلق
1 / 59
وَمِنْهَا أَنه أثبت لله تَعَالَى علوما حَادِثَة لَا فِي مَحل قَالَ لَا يجوز أَن يعلم الشَّيْء قبل خلقه لِأَنَّهُ لَو علم ثمَّ خلق أفيبقى علمه على مَا كَانَ أَو لم يبْق فَإِن بَقِي فَهُوَ جهل فَإِن الْعلم بِأَن سيوجد غير الْعلم بِأَن قد وجد وَإِن لم يبْق فقد تغير والمتغير مَخْلُوق لَيْسَ بقديم وَوَافَقَ فِي هَذَا مَذْهَب هِشَام بن الحكم قَالَ وَإِذا ثَبت حُدُوث الْعلم فَلَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَن يحدث فِي ذَاته تَعَالَى وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى التَّغَيُّر فِي ذَاته وَأَن يكون محلا للحوادث وَإِمَّا أَن يحدث فِي مَحل فَيكون الْمحل مَوْصُوفا بِهِ لَا الْبَارِي تَعَالَى فَتعين أَنه لَا مَحل لَهُ فَأثْبت علوما حَادِثَة بِعَدَد المعلومات الْمَوْجُودَة وَمِنْهَا قَوْله فِي الْقُدْرَة الْحَادِثَة إِن الْإِنْسَان لَيْسَ يقدر على شَيْء وَلَا يُوصف بالاستطاعة وَإِنَّمَا هُوَ مجبور فِي أَفعاله لَا قدرَة لَهُ وَلَا إِرَادَة وَلَا اخْتِيَار وَإِنَّمَا يخلق الله تَعَالَى الْأَفْعَال فِيهِ على حسب مَا يخلق فِي سَائِر الجمادات وينسب إِلَيْهِ الْأَفْعَال مجَازًا كَمَا ينْسب إِلَى الجمادات كَمَا يَقُول أثمرت الشَّجَرَة وجري المَاء وتحرك الْحجر وطلعت الشَّمْس وغربت وتغيمت السَّمَاء وأمطرت وأزهرت الأَرْض وأنبتت إِلَى غير ذَلِك وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب جبر كَمَا أَن الْأَفْعَال جبر قَالَ وَإِذا ثَبت الْجَبْر فالتكليف أَيْضا كَانَ جبرا
وَمِنْهَا قَوْله إِن حركات أهل الْجنَّة وَالنَّار تَنْقَطِع وَالْجنَّة وَالنَّار تفنيان بعد دُخُول أَهلهَا فِيهَا وتلذذ أهل الْجنَّة بنعيمها وتألم أهل النَّار بجحيمها إِذْ لَا يتَصَوَّر حركات لَا تتناهى آخرا كَمَا لَا تتَصَوَّر حركات لَا تتناهى أَولا وَحمل قَوْله تَعَالَى ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ هود ١٠٧ على التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة دون الْحَقِيقَة فِي التخليد كَمَا يُقَال خلد ملك فلَان وَاسْتشْهدَ على الِانْقِطَاع بقوله تَعَالَى ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ هود ١٠٧ فالآية
1 / 60
اشْتَمَلت على شَرْطِيَّة واستثناء وَالْخُلُود والتأبيد لَا شَرط فِيهِ وَلَا اسْتثِْنَاء وَمِنْهَا قَوْله من أَتَى بالمعرفة ثمَّ جحد بِلِسَانِهِ لم يكفر بجحده لِأَن الْعلم والمعرفة لَا يزولان بالجحد فَهُوَ مُؤمن قَالَ وَالْإِيمَان لَا يَتَبَعَّض أَي لَا يَنْقَسِم إِلَى عقد وَقَول وَعمل قَالَ وَلَا يتفاضل أَهله فِيهِ فإيمان الْأَنْبِيَاء وإيمان الْأمة على نمط وَاحِد إِذْ المعارف لَا تتفاضل وَكَانَ السّلف كلهم من أَشد الرادين على جهم ونسبته إِلَى التعطيل الْمَحْض وَهُوَ أَيْضا مُوَافق للمعتزلة فِي نفي رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ لرَبهم يَوْم الْقِيَامَة وَفِي إِثْبَات خلق الْكَلَام وَإِيجَاب المعارف بِالْعقلِ قبل وُرُود الشَّرْع وَقد شن الْغَارة على جهم وَأَتْبَاعه وإخوانه من المبتدعة أساطين الْعلمَاء
وردوا استدلالهم وَأكْثر من نصب نَفسه لبَيَان الْحق وَالرَّدّ عَلَيْهِم من طريقي الْعقل وَالنَّقْل الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم الظَّاهِرِيّ ثمَّ شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ صَاحبه شمس الدّين مُحَمَّد بن قيم الجوزية قدس الله أسرارهم فَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على كسر جيوشهم وغلبتهم فِي ميدان الِاسْتِدْلَال فَعَلَيهِ بكتب هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام وَلَو أننا اشترطنا فِي كتَابنَا هَذَا الِاخْتِصَار لاقتفينا أثر أُولَئِكَ النُّجُوم فاهتدينا بهم وعسانا إِن شرعنا بشرح نونية ابْن الْقيم أَن نأتي بِمَا يَكْفِي ويشفي
الْموضع الثَّالِث ذكر الإِمَام ﵁ الْمُعْتَزلَة وهم طوائف كَثِيرَة استوفى أقسامها من ألف فِي الْملَل والنحل كَأبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني وَلَكنهُمْ على كثرتهم يعمهم القَوْل بأصول اتَّخَذُوهَا أساسا لمداركهم ونحلتهم وَهِي قَوْلهم إِن الله تَعَالَى قديم والقدم أخص وصف ذَاته وَنَفَوْا
1 / 61