وهذه خلاصة ما كان من أعقاب حادثة الستين المشئومة لا أعاد الله مثلها على هذه الأمة العثمانية المختلفة العناصر والمذاهب المحتاجة إلى جمع الكلمة والاتحاد، وفي الاتحاد قوة على حد قول الشاعر:
وإذا تألفت القلوب على الهوى
فالناس تضرب في حديد بارد
هوامش
زحلة بعد سنة 1860
أفضنا في تاريخ زحلة مطولا إلى هذا العهد القريب منا، ولهذا نجتزئ الآن مقتضبين الكلام في ما هي عليه الآن زحلة التي لقبها فؤاد باشا العثماني «مدينة» كما مر لأسباب كثيرة أهمها حسن موقعها وعمرانها وكثرة عدد سكانها ونشاطهم، فزحلة هي مدينة لبنان الوحيدة فيه في كبرها وعدد سكانها وموافقة موقعها، وهي الآن مقر قائمية مقام منتسبة إليها مشهورة بنهرها البردوني (البارد)، الذي يقسمها إلى شطرين وعلى ضفتيه المدينة بأبنيتها وقصورها الفخيمة والأنزال (اللوكندات) البديعة والحدائق الغناء والمتنزهات الفيحاء، التي تجمع في الصيف نخبة المصطافين من القطرين المصري والسوري يتخطرون في طرقها زرافات ووحدانا، وممتازة بهوائها الجاف ونسيمها المنعش وعنبها اللذيذ ومعيشتها الهنيئة إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في أوائل هذا التاريخ.
أما سكانها فمشهورون بقوة أجسامهم، وجرأتهم وحدة أمزجتهم العصبية والدموية، وطيب قلوبهم وكرمهم وفروسيتهم وبسالتهم وحبهم للأسفار، وبراعتهم في التجارة وإقدامهم على تحمل المشاق والمتاعب، وشدة ذكائهم في مجاراة المعاصرين بآداب العلوم وإتقان اللغات والفنون والصناعات، وقد نبغ منهم الرؤساء والصحافيون والمؤلفون والمحامون والشعراء والكتاب والتجار والصناع، وكان عددهم قبل سنة 1860 لا يتجاوز الاثني عشر ألف نسمة، فصار سنة 1887 ثمانية عشر ألفا، واليوم نحو خمسة وثلاثين ألفا منهم نحو النصف في المهاجر، وهم يقسمون بالنظر إلى مواطنهم الأصلية إلى لبنانيين ومعظمهم من قضائي المتن والشوف، وإلى بعلبكيين ومعظمهم من بعلبك وما إليها من القرى، وإلى راسيين ومعظمهم من قرية رأس بعلبك، وإلى دحامرة ومعظمهم من الظهر الأحمر إحدى قرى وادي التيم «والكلمة منحوتة محرفة»، وإلى مختلفي الموطن فبعضهم من حماة وحمص، والآخرون من ديار بكر وغيرهم من بعض جهات سورية الأخرى، وهم من الطوائف الكاثوليكية والأرثوذكسية والمارونية والإنجيلية والمسلمية، وبعض السريان الكاثوليكيين والأرثوذكسيين وعدد مكلفيهم نحو 4257 شخصا. وجميعهم يرجعون إلى أسر (عيال) معروفة بعضها كثيرة العدد والأخرى قليلته،
1
ومساحة عقاراتهم 2147 درهما وبيوتهم نحو أربعة آلاف، ومدينتهم منظمة تحتاج إلى بعض إصلاحات تزيدها جمالا وعمرانا وتوفية للبحث التاريخ حقه من الاستيعاب نشير الآن إلى شئونها العامة باختصار ... (1) حالتها الإدارية
لما نظمت متصرفية لبنان وأسند حكمها إلى داود باشا الأرمني أول متصرفيها، وذلك في 10 حزيران سنة 1861 صارت زحلة مقرا للمدير الذي كان إذ ذاك بمثابة قائم مقام، وكان يتبعها البقاع الغربي والشرقي على نحو ما كانت في عهد قائميتي المقام (قاعدة الشوف البياضي).
Bilinmeyen sayfa