Tarih Boyunca Faziletli Şehir
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Türler
ويقنع الممتحن الأول بأن الرحالة ليس بدجال، ولا شحاذ، ولا ممثل مسرحي. ويختبر الثاني خلقه ومزاجه، ويحرص الثالث على أن يعرف - ضمن أمور أخرى كثيرة - إن كان قد أحرز تقدما في «ملاحظة السماوات والأرض، والتمعن في بحث الطبيعة، والأدوات الفنية، وتاريخ اللغات وأصلها، وتجانس العالم في مجموعه ...»
ومع أن الرحالة لم يكن مستعدا تمام الاستعداد للإجابة عن هذه الأسئلة، إلا أنهم يسمحون له بدخول المدينة لأنه جاء معه «بسجل طاهر نظيف وكأن البحر نفسه قد غسله من أدرانه».
والمدينة صغيرة ولكنها محكمة، وقد تم بناؤها كوحدة واحدة يؤدي كل قسم من أقسامها وظيفة محددة. وهي تنم عن حب التناسق الكامل الذي طبع بطابعه العمارة في عصر النهضة: «والمدينة على شكل مربع تبلغ مساحة ضلعه سبعمائة قدم، وهي محصنة تحصينا متينا بأربعة أبراج وسور، وتطل لهذا السبب على الجهات الأربع للأرض ... وفيها صفان من الأبنية، يصلان إلى أربعة صفوف إذا أضفت مقر الحكومة والمخازن، وهناك شارع عمومي واحد، وكذلك سوق واحد، ولكنه على درجة عالية من التنظيم. وإذا قست المباني، مبتدئا بالشارع الممتد في قلب المدينة والبالغ عرضه عشرين قدما، وجدت أعدادها في تزايد مستمر من الخمسة إلى المائة. وعند هذه النقطة يوجد معبد دائري، يبلغ طول قطره مائة قدم ... وجميع المباني مكونة من ثلاثة طوابق تؤدي إليها شرفات عامة ... وهي مبنية بالطوب الحجري المحروق، وتفصل بينها حوائط عازلة ومضادة للحريق، بحيث لا تستطيع النيران أن تخربها تخريبا شديدا ... وجميع الأشياء من حولك تبدو شديدة التشابه، فلا بذخ ولا قذارة، والهواء المنعش والتهوية متوافران. ويعيش هنا ما يقرب من أربعمائة مواطن في ظل الإيمان والسلام الساميين. وخارج الحوائط (المحيطة بالمباني) خندق مملوء بالأسماك يمكن الاستفادة منه حتى في أوقات السلم. وتوجد في الأماكن المفتوحة وغير المستعملة حيوانات مفترسة، يحتفظ بها للأغراض العملية لا للفرجة والتسلية. وتنقسم المدينة بأكملها إلى ثلاثة أقسام، واحد لإمدادها بالغذاء، والثاني للتدريب العسكري والرياضي، والثالث للكتب. أما باقي الجزيرة فهو مخصص للزراعة والورش الصناعية.»
ولا يقوم تنظيم «مدينة المسيحيين» على أساس العائلة الأبوية كما في مدينة أمورات (في يوتوبيا مور)، أو على جماعة الرهبان في الدير كما في مدينة الشمس (في يوتوبيا كامبانيلا)، وإنما تنقسم إلى أقسام تبعا لنوع العمل الذي يتم في كل قسم منها. ففي الطرف الخارجي للمدينة نجد الأقسام المخصصة لإنتاج الغذاء وتخزينه، وكذلك للصناعة الثقيلة. والقسم المواجه للشرق يضم منطقة المزارع التعاونية، وهو مقسم إلى جزأين يوجد في أحدهما المزارع، وفي الآخر (حظائر) تربية المواشي. والقسم المواجه للجنوب تشغله الطواحين والمخابز، والمواجه للشمال توجد به محلات اللحوم والمخازن، أما القسم المتجه ناحية الغرب فهو مخصص للحدادة.
ويقسم المهنيون في داخل المدينة إلى أربعة أقسام: «فكما أن المدينة ذات أربعة أركان، فكذلك يتعامل السكان مع أربع مواد خام: المعادن، والأحجار، والأخشاب، والمواد المطلوبة للنسيج، مع مراعاة فارق واحد، وهو أن المهن التي تتطلب قدرا أكبر من المهارة والمقدرة الفطرية يخصص لها المربع الداخلي، بينما يخصص المربع الخارجي أو المربع الأكبر لتلك المهن التي يسهل إنجاز العمل فيها.»
وقد تبع المعماريون المحدثون هذا التخطيط الوظيفي للمدن، كما أثار إعجاب واحد من الخبراء الثقات في تخطيط المدن، وهو الأستاذ «لويس ممفورد» الذي يقول عنه: «... إن أصحاب اليوتوبيات في القرن السابع عشر قد استبقوا بتخطيطهم للأحياء الصناعية لمدينة المسيحيين، أفضل النظم التي تطبق اليوم بعد قرن من البناء العشوائي. فتقسيم المدينة إلى مناطق، والفصل بين الصناعات الثقيلة والصناعات الخفيفة، وتجميع المؤسسات الصناعية المتناظرة، وتزويد المدينة بمنطقة زراعية قريبة منها، كل ذلك يجعل مدننا الغنية بالحدائق مجرد نسخ متأخرة من مدينة المسيحيين.»
وبالرغم من كل هذه الحداثة التي وصفت بها «مدينة المسيحيين»، فقد قامت إلى حد ما على مثال المدنية الوسيطة التي يقول عنها الأستاذ «كروبوتكين» إنها تقسم عادة إلى أربعة أحياء، أو إلى خمسة أو سبعة أحياء ممتدة من المركز، وكل حي يلائم التجارة أو المهنة المعينة التي تغلب على سكانه، وإن لم يمنع هذا من وجود سكان أوضاع اجتماعية ومهن مختلفة.
والإدارة المحلية للمدينة تعتمد على هذا التقسيم تبعا للمهنة. ففي القسم الشرقي، أي في حي المزارع، يهيمن برج عال على المباني، وتحت قبة هذا البرج «يتجمع المواطنون الذين يعيشون في هذا الجزء من المدينة كلما دعتهم الأوامر والتعليمات إلى ذلك، ويتشاورون معا في الشئون الدينية والشئون المدنية». ومن هذا يتبين لنا أن «الطائفة المهنية» تعتمد على العمل الذي يؤديه العامل وعلى المكان الذي يعيش فيه.
ويتولى شئون الحكومة مجلس مؤلف من ثلاثة رجال لأنهم، على الرغم من اعترافهم بمزايا الحكم الملكي، يفضلون أن يتركوا هذا الشرف للسيد المسيح، كما أنهم يسيئون الظن ولديهم الأسباب التي تحملهم على ذلك، بحكم البشر لأنفسهم. ويحكم القسم المركزي للدولة ثمانية رجال، يعيش كل منهم في أحد الأبراج الكبيرة ويعاونه ثمانية مساعدين موزعين على الأبراج الصغيرة. وهناك أيضا أربعة وعشرون مستشارا منتخبين من قبل المواطنين. ولا يدين أعضاء المجلس الثلاثي والموظفون الكبار والمستشارون بمناصبهم للمولد أو الثروة، بل لفضائلهم السامية وخبرتهم بالشئون العامة، والحب والاحترام الذي يوحون به. والدين هو الذي يحكم الدولة، وثمة لوح مزدوج، نقشت حروفه بالذهب، ودونت عليه عقيدتهم التي يؤمنون بها، وأهداف الحياة اليومية وقواعدها، لأنهم «شعب المسيح الذين يتفق دينهم مع دين الحواريين وتدار دولتهم وفقا لشريعة الرب».
وليس في هذه الجمهورية المسيحية ملكية خاصة. وكل إنسان يتسلم من الجماعة كل ما يحتاج إليه: «لا أحد يملك أي نقود، ولا يتم أي تعامل بالنقود الخاصة، ومع ذلك فالجمهورية لها خزانة خاصة لها. ومن هذه الناحية ينعم السكان بالسعادة التي لا تعد لها سعادة، إذ لا يتفوق إنسان على إنسان بحكم الثروات التي يمتلكها، بل يمتاز الواحد منهم على الآخر بفضل قوته وعبقريته، وتنال الأخلاق القويمة والتقوى أسمى آيات الاحترام.»
Bilinmeyen sayfa