Tarih Boyunca Faziletli Şehir
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Türler
قال: «وكيف توجد هذه الجرائم مع غياب الطبقة الغنية التي تحرض الأعداء ضد الدولة عن طريق الظلم الذي ترتكبه الدولة نفسها؟»
قلت: «أعتقد أنني فهمت من بعض ما صدر منك قبل قليل أنكم قد ألغيتم القانون المدني فهل هذا صحيح؟»
قال: «لقد ألغى نفسه يا صديقي. وكما قلت لك من قبل كانت المحاكم المدنية تنعقد للدفاع عن الملكية الخاصة، إذ لم يدع أحد أبدا أنه يمكن عن طريق القوة أن يجبر الناس على معاملة بعضهم بعضا معاملة طيبة. وبعد إلغاء الملكية الخاصة بطلت بطبيعة الحال جميع القوانين وتوقفت كل الجرائم التي خلقتها الملكية. وأصبح من الضروري أن تترجم عبارة: «ينبغي عليك ألا تسرق.» إلى عبارة: «ينبغي عليك أن تعمل لكي تحيا حياة سعيدة.» فهل هناك أي داع لفرض تلك الوصية عن طريق العنف؟»
قلت: «حسنا، هذا مفهوم وأوافق عليه، ولكن ماذا عن جرائم العنف؟ ألا يستوجب حدوثها (وأنت تعترف بأنها تحدث أحيانا) ضرورة وجود القانون الجنائي؟»
قال: «حسب مفهومك للكلمة، لا يوجد لدينا قانون جنائي. ودعنا ننظر للأمر عن قرب لنرى من أين تنطلق جرائم العنف. لقد كان الجزء الأكبر من هذه الجرائم في الأيام الغابرة مترتبا على قوانين الملكية الخاصة، التي حرمت الغالبية العظمى من إشباع رغباتهم الطبيعية، وقصرت هذا الإشباع على فئة قليلة متميزة، كما كان نتيجة للقهر الشديد الذي سببته تلك القوانين. وقد اختفت الملكية الخاصة التي كانت السبب في معظم جرائم العنف. ثم إن الكثير من جرائم العنف جاء أيضا من انحراف العلاقات الجنسية، الأمر الذي سبب الغيرة التافهة وما يشببها من المشاكل. ولو أمعنت النظر في هذه المشاكل لوجدت أنها تقوم في أساسها على فكرة أن المرأة ملك الرجل (وهي الفكرة التي حولت إلى قوانين) سواء كان هذا الرجل هو الزوج، أو الأب، أو الأخ، أو أيا كان. وقد اختفت تلك الفكرة بطبيعة الحال باختفاء الملكية الخاصة، كما اختفت معها حماقات معينة عن «تدمير» النساء بسبب الانسياق وراء رغباتهن الطبيعية بطريقة غير مشروعة، وهو بالطبع تقليد عام ترتب على قوانين الملكية الخاصة.
وهناك سبب آخر مشابه لجرائم العنف وهو استبداد الأسرة، الذي كان موضوع روايات وقصص عديدة في الماضي، كما كان كذلك نتيجة مترتبة على الملكية الخاصة. وطبيعي أن كل هذا قد انتهى، ما دام التماسك العائلي لا يقوم على القسر القانوني أو الاجتماعي، وإنما يقوم على الميل والحب المتبادل، وكل فرد حر في أن يأتي ويذهب كما يحلو له أو لها. أضف إلى هذا أن معايير الشرف والتقدير العام عندنا تختلف تماما عن المعايير السابقة، فالتفوق على جيراننا كطريق إلى الشهرة مغلق الآن، ودعنا نأمل في أن يظل مغلقا للأبد. وكل إنسان حر في تنمية ملكاته الخاصة إلى أقصى حد ممكن، كما أن كل إنسان يشجعه على ذلك. بهذا تخلصنا من الحسد الكئيب الذي قرنه الشعراء بالحقد، ويقينا عن حق، وإليه ترجع أكوام التعاسة والمزاج السيئ التي كثيرا ما جعلت سريعي الغضب وذوي الطبع الحساس - أي ذوي النشاط والطاقة الزائدة - يلجئون إلى العنف.»
ضحكت وقلت: «وإذن فأنت الآن تسحب اعترافك وتنفي وجود العنف بينكم؟»
قال: «لا، لم أسحب شيئا، فمثل هذه الأمور، كما قلت لك، يمكن أن تحدث. والدماء الحارة سترتكب الأخطاء في بعض الأحيان. وربما يضرب رجل رجلا آخر، ويقوم الشخص المضروب برد الضربة مرة ثانية، وتكون النتيجة جريمة قتل، هذا إذا افترضنا أسوأ الأحوال. ولكن ماذا بعد؟ هل يحق لنا - ونحن جيران القاتل والقتيل - أن نزيد الأمور سوءا؟ وهل بلغ سوء الظن ببعضنا البعض إلى حد أن نتصور أن المقتول يدعونا للانتقام له، خصوصا أننا نعلم - لو كان قد جرح وأتيح له أن يفكر تفكيرا هادئا واستطاع أن يزن كل الظروف - أنه كان سيبادر إلى العفو عن جارحه؟ أم هل يستطيع موت القاتل أن يعيد الحياة مرة أخرى للقتيل، ويشفي التعاسة التي سببها فقده؟»
قلت: «أجل، ولكن ألا تضع في اعتبارك أن حماية أمن المجتمع تستوجب نوعا من العقاب؟»
قال الرجل العجوز مبتهجا: «مرحى يا جار! لقد أصبت كبد الحقيقة في الصميم. ذلك العقاب الذي اعتاد الناس أن يتحدثوا عنه بحكمة بالغة وأن يتصرفوا مع ذلك بحماقة بالغة، هل كان إلا تعبيرا عن خوفهم؟ لقد كانوا في حاجة إلى الخوف، لأنهم - أي حكام المجتمع - كانوا يعيشون كعصابة مسلحة في بلد معاد. لكننا نحن الذين نعيش وسط أصدقائنا، لا نحتاج إلى أن نخاف ولا إلى أن نعاقب. ولا شك في أننا لو فكرنا - تحت تأثير الرعب من جريمة قتل محتملة أو من ضربة عرضية قاسية - في ارتكاب القتل بشكل قانوني وقور، لكان معنى هذا أننا قد أصبحنا مجتمعا من الجبناء المتوحشين. ألا توافقني على هذا يا جار؟»
Bilinmeyen sayfa