أما أنا فإني أعتقد أو أومن بما يأتي: أومن بالله أنه روح ومحبة وأصل كل شيء، وأومن أيضا أنه في وأنا فيه، وأومن بأن مشيئة الله موضحة إيضاحا تاما في تعليم الإنسان المسيح الذي لا أعتقد به إلها، وأعد الصلاة إليه تهكما عليه، وأومن بأن سعادة الإنسان الحقيقية تقوم بإتمامه إرادة الله التي تأمر الناس أن يحبوا بعضهم بعضا، حتى إذا حافظوا على هذه الوصية يستطيعون أن يفعلوا مع غيرهم ما يريدون أن يفعل الناس معهم، وهذا مصرح به في الإنجيل بأعظم صراحة، وأن في ذلك الناموس والأنبياء، وأعتقد بأن جوهر معيشة كل إنسان ينبغي أن يوجه إلى هذا المعنى؛ أي إلى زيادة المحبة فيه، وأن زيادة المحبة تقود كل إنسان بمفرده في هذه الحياة إلى سعادة عظمى، ويكون مقدار السعادة التي ينالها في الحياة الأخرى بقدر المحبة التي تكون فيه، وبواسطة هذه المحبة ينتشر ويسود ملكوت الله على الأرض، وبذلك تتبدل حالة معيشة الناس الحالية المبنية على الفساد والنفاق والبغض والنميمة والخداع، بحب أخوي متبادل وصدق عام، وأعتقد بأنه توجد وسيلة واحدة لانتشار هذه المحبة وهي الصلاة، ولا أعني بها الصلاة العامة في الكنائس التي حرمها المسيح نفسه «متى ص6 عدد 5 وعدد 13»، بل الصلاة التي أرانا مثالها المسيح وهي صلاة الإنفراد التي تكون بتوجيه كل الأفكار نحو العزة الإلهية، وحصرها لتتميم إرادة الحق. فإذا كانت معتقداتي هذه تحزن أحدا أو تكون عثرة له أو تغيظه أو لا تعجبه، فأنا لا أستطيع تغييرها، كما أني لا أستطيع تغيير جسدي، فأنا أحيا لنفسي وأموت لنفسي، ولذلك لا أقدر أن أعتقد بخلاف ذلك، وعلى هذا الاعتقاد أستعد للذهاب إلى ذلك الإله الذي خرجت من عنده. ثم إنني لا أجزم بأن اعتقادي هو الحق بذاته، ولكنني لحد الآن لم أجد إيمانا أوضح منه يسلم به عقلي وقلبي، وإذا اهتديت إلى أحسن من معتقدي الحالي فإني أقبله بكل سرعة؛ لأن الله لا يريد غير الحق، وكذلك لا أستطيع أن أرجع إلى ذلك المعتقد الذي تخلصت منه بعد تلك العذابات الشديدة كما أن الطير لا يستطيع أن يرجع إلى قشرة البيضة التي خرج منها. قال كولريد: «إن الذي يحب الديانة المسيحية أكثر من الحق فذاك لا ريب أنه سيحب كنيسته أو معتقده أكثر من الديانة المسيحية، وينتهي ذلك الشخص بمحبة ذاته «راحته» أكثر من كل شيء في العالم».
أما أنا فسرت راجعا في طريق أخرى؛ فابتدأت بمحبة إيماني المستقيم أكثر من راحتي وهنائي، ثم أحببت المسيحية أكثر من كنيستي، والآن أحب الحق أكثر من كل شيء في العالم، وللآن أرى هذا الحق مطابقا للديانة المسيحية كما أفهمها أنا، ولذلك أنا أومن بهذه الديانة المسيحية الحقيقية فأعيش بسرور وراحة وبهناء وهدو أدنو من الموت.
ليون تولستوي
هوامش
الفصل الثاني
رد على اعتراض تولستوي
قلنا فيما سبق إن تلاميذ المدارس العالية أظهروا شدة استيائهم من قطع تولستوي، وشاركهم في ذلك سواد الروسيين المتنورين من الطبقة العلياء، وكلهم بلسان واحد ولهجة واحدة، رشقوا المجمع المقدس وأعضاءه بكلام أشد من ضرب الحسام ووقع السهام، ونسبوا إليهم الجنوح عن جادة الصواب، ومحجة الإنصاف، ومخالفة شريعة المسيح التي هي شريعة المحبة والصفح والرحمة، وزادوا في التطاول زيادة أفرغت صبر رجال الدين، فردوا افتراءهم وفندوا أقوالهم ، وأظهروا بالحجج الدامغة والأدلة الساطعة عدالة المجمع المقدس، وأنه ما فعل إلا واجباته، ومن ذلك ما قاله بهذا الشأن:
حضرة الفاضل الكاهن فلاديمير بابورا
إن الكنيسة الأرثوذكسية تهتم اهتماما زائدا بخلاص أبنائها، وحفظهم من الضلالات والتعاليم الكاذبة المؤدية إلى الهلاك، ولذلك أصدر المجمع المقدس رسالة ضافية ضد تعاليم الكونت تولستوي الذي أنكر جهارا المسيح والكنيسة، ورد ردا مفحما على كل بنود تعاليمه الفاسدة، وهو - أي المجمع - يشهد بتلك الرسالة بأن الكنيسة من الآن فصاعدا لا تعتبر تولستوي من أبنائها، ما لم يتب ويرجع عن أفكاره الفاسدة، ولقد تصرف المجمع تصرفا عادلا مجردا عن كل غرض، ولم يكن له سوى غاية حسنة ومقصد نبيل، وهما: تثبيت أبناء الكنيسة الذين لم يزالوا منضمين إليها في الإيمان الحقيقي المستقيم، وإرشاد الذين قبلوا تلك الضلالة، وتحذيرهم من مناولة السم الزعاف المدسوس في تلك التعاليم الكاذبة، وعلى الأخص لإرشاد نفس الكونت تولستوي وإفهامه بأن تعاليمه وأفكاره واهية فاسدة، وبذلك يوقظ ضميره من سبات الضلالة. ولقد ختم المجمع المقدس حكمه بعبارة مفعمة من الرأفة والحنان طبقا للمحبة المسيحية، فإنه جهر بالدعاء إلى الإله المتعال ليعطيه - «أي لتولستوي» - الرب توبة لمعرفة الحق، ويرجعه إلى طريق الحق ويرشده إليها.
ومع ذلك فقد صادف قرار المجمع عند فريق من الناس المسيحيين استياء شديدا، وتضاربت الآراء والأفكار، ونسبوا للكنيسة وممثليها القساوة وعدم الإنصاف والظلم بمعاملتهم تولستوي تلك المعاملة الشنيعة على رأيهم، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، وقالوا إن الكنيسة لم تتصرف طبقا لشريعة المسيح التي تأمر بالمحبة، وغفران الزلات، ولقد شذت عن دائرة هذا التعليم الواضح، والحق يقال إن هذه الأقوال أوهى من نسيج العنكبوت؛ لأنها ثقيلة على الأسماع وغريبة في بابها، وقد بلغت أقصى حدود الجهالة، وخطا قائلوها خطوة شاسعة في العقوق والتطاول، وعصوا أمهم الكنيسة الأرثوذكسية التي تهتم بهم اهتماما زائدا، ونسبوا لها أمورا نجل قدرها عنها، ولا يخفى أن الرعاة يعلمون رعيتهم ويعظونهم كأب لأولاده «ات ص2 عدد 11».
Bilinmeyen sayfa