فأفحم حماد، فقال له الكميت: أجلتك إلى الجمعة الأخرى، فجاء حماد ولم يأت بتفسيرهما، وسأل الكميت أن يفسرهما له، فقال: المقلة: حصاة أو نواة من نوى المقل يحملها القوم معهم إذا سافروا، وتوضع في الإناء ويصب عليها الماء حتى يغمرها، فيكون ذلك علامة يقتسمون بها الماء، والشطر: النصيب، والمعترك: الموضع الذي يختصمون فيه في الماء، فيلقونها هناك عند الشرب، وقوله : «تدريننا» يعني النساء؛ أي ختلننا فرميننا، والرهادن: طير بمكة كالعصافير.
20
ولم يقف الكميت بعلمه عند أنساب العرب وأشعارها، بل مضى فعرف أخبار الناس في الجاهلية، وكانت له جدتان أدركتا ذلك العهد، فكانتا تصفان له البادية وأمورها، وتخبرانه بأخبار الناس في الجاهلية، فإذا شك في شعر أو خبر عرضه عليهما فتخبرانه عنه، ومن هنا كان علمه بالبادية في أكثره علم سماع لا علم معاينة، وقد تنبه إلى ذلك ذو الرمة حين أنشده بائيته التي عارض بها قصيدته.
ما بال عينك منها الماء ينسكب
فقال له: «ويحك! إنك لتقول قولا ما يقدر إنسان أن يقول لك أصبت ولا أخطأت، وذلك أنك تصف الشيء فلا تجيء به، ولا تقع بعيدا منه، بل تقع قريبا منه.»
فقال الكميت: أوتدري لم ذلك؟ قال: لا. فقال: لأنك تصف شيئا رأيته بعينك، وأنا أصف شيئا وصف لي وليست المعاينة كالوصف.
21
وهذا كله يدلنا على أن الكميت استعد للثقافة الشعرية استعدادا بلغ فيه أقصى الجهد، وكثير من شعره يجري مجرى التلميح لما وقع بين القبائل، على نحو ما نرى في هذا البيت:
كأن الغطامط من غليها
أراجيز أسلم تهجو غفارا
Bilinmeyen sayfa