Makul ve Makul Olmayan
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Türler
قال: لو كانت الإمامة فيهم، لم تكن الوصية بهم ... فماذا قالت قريش؟
قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول
صلى الله عليه وسلم .
قال: احتجوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة.
وإن النصوص ليطول بنا نقلها إلى القارئ ما طال «نهج البلاغة»، فخير للقارئ أن يرجع إليه ليطالع نفسا قد اجتمع فيها ما يصور عصرها من حيث الركون في إدراك حقائق الأمور، إلى سلامة السليقة، وحضور البديهة، وصدق البصيرة، بغير حاجة إلى تحليلات العقل وتعليلاته، ولا إلى طريقة المناطقة في جمع الشواهد وترتيب النتائج على المقدمات؛ فهذه كلها أمور موعد ظهورها - في الأفراد وفي الجماعات وفي الثقافات والحضارات - إنما يكون في المرحلة الثانية من مراحل النمو، كما أشرنا في الفصل السابق.
إذن فلننتقل إلى هذه المرحلة الثانية من مراحل النمو الثقافي كما نراه في تراثنا الفكري.
الفصل الثالث
مصباح العقل في مشكاة التجربة
12
قدمنا لك في الفصل الأول خطة السير التي رسمناها لأنفسنا؛ لنهتدي بمعالمها في التماسنا لطريق العقل في تراثنا الفكري، وقد جعلنا تلك المعالم مدارج الإدراك التي رآها الإمام الغزالي عند تأويله لآية النور، والتي هي نفسها - على وجه التقريب - مدارج الإدراك التي أشار إليها الفيلسوف المعاصر «وايتهد» عند حديثه عن أهداف التربية ، وهي درجات تتداخل كلما صعدنا سلم النمو، أواخر الدرجة السابقة في أوائل الدرجة اللاحقة، شأنها في ذلك شأن التدرج أينما وجدناه في ظواهر الطبيعة ومظاهر الفكر على حد سواء؛ فمن إدراك بالحواس يستمد ذخيرته من دنيا الواقع مباشرة أثناء مكابدة الإنسان لما يعتوره من أزمات وما يعترضه من مشكلات؛ إلى إدراك بالعقل قوامه تقنين القوانين التي تحمل في طيها أحكاما عامة انتزعت من المواقف المفردة الجزئية التي خاضها الإنسان في معمعان حياته بكل ما فيها من ضروب الكد والكدح والصراع؛ إلى ارتفاع بهذه القوانين العامة نفسها إلى مبادئ أعم منها، كل مبدأ منها يطوي تحت جناحيه عدة قوانين دفعة واحدة، جاعلا منها أسرة متجانسة؛ إلى محاولة أخيرة للوصول بهذه المبادئ الأولى إلى المعين الذي تدفقت منه في أذهاننا كأنها الومضات التي تضيء أمام الإنسان طريق الهداية، ولقد بسطنا أمام أنظارنا موقفا معينا بكثير من تفصيلاته، هو واقعة صفين بين علي ومعاوية؛ لنرى أسلافنا رأي العين إذ هم يخوضون عباب حياتهم الفعلية الواقعة؛ كيف كانوا يفكرون ويسلكون، وزعمنا أنهم في موقفهم ذاك - فيما رأينا - إنما كانوا مثلا واضحا للمرحلة الإدراكية الأولى، القائمة على أحكام البديهة الفطرية، فلم تكن الفكرة لديهم وليدة قراءة ودرس، ولا وليدة تأمل طويل في صورة مجردة نظرية، بل كانت الفكرة لديهم تأتي فور لحظتها لترد على موقف طارئ، كأنما هي الكرة يقذف بها لاعب ليردها إليه لاعب آخر في غير تمهل ولا إرجاء، وإذن فقد كانت هذه هي الصورة لحياة الإدراك في مرحلتها الأولى من مراحل تراثنا الفكري، وكان ذلك خلال القرن السابع الميلادي (الأول الهجري) على وجه التقريب.
Bilinmeyen sayfa