علمت ولكني بها غير بائح
والشيخ، كما نبأنا، عنده ما عند جميع الناس من شعور وإحساس، فما ضاق ذرعا بهؤلاء الذئاب، نزلوا عنده أو جاوروه، وشرع يملي عليهم فلسفته وآراءه، ثم ما تمالك أن قال:
وماذا يبتغي الجلساء عندي؟
أرادوا منطقي وأردت صمتي
وبما أن الكثيرين يفلسفون حول أقوال هذا الضرير فما علينا لو ألقينا دلونا بين الدلاء وتحذلقنا هنيهة، فنتساءل مثلهم: هل يريد أبو العلاء من كلمة نطق وصمت شيئا أبعد؟ هل خطر على باله شيء مما سمعوه في عصره الباطني «ناطقا وصامتا»؟
إنني لأرى الشيخ يمد جذوره في القلوب، وينشر فروعه في العقول، وهو يجري لغاية في كل ما يكتب. إنه يقف بيكاره عند نقطة ويبسط ساعده الآخر ليجعل كل شيء وسط الدائرة.
الأشبه عندي أن شيخنا يهدم ويبني، يسرد كل ما عنده من أفكار في أحوال مختلفة، وينظمها شعرا لتحفظ وترسخ في أذهان تلاميذه، فجاء ما نسميه «اللزوميات» صورة حقيقية للتفكير الإنساني الذي يختلف بين ليلة وضحاها، ولكن هذا الاختلاف الذي نرى لا يواري عنا وجه الرجل؛ فله أساليب خاصة يصطنعها في بث ما يعتقد. فإذا رأيته يهاجم بعنف وعتو وطغيان فاعلم أنه ينفي ويهدم ويقوض وينسف ويدك دكا. وإذا رأيته يواري ويوارب، ويلقي تبعة الكلام على غيره، فاعلم أنه كالرجال السياسيين الذين يشيعون الشائعات عما ينوون عمله وينتظرون بوادر تأثيره. فإذا قال الشيخ: «قال قوم، أو زعموا، أو يقال.» فاعلم أنه يرائيك ويداورك ليرى ما تبدي، وكن واثقا أن هذه ال «يقال» وقال قوم ستصبح في مقام آخر عقيدة يدافع عنها الشيخ بسيف برهانه وترس منطقه.
أسمعت بالمخلوطة، تلك الأكلة المعمولة من جميع الحبوب التي تؤكل؟
إن هذه الحبوب متى اعتلجت في القدر تؤلف طعاما خاصا. وأبو العلاء هو تلك المخلوطة الفاطمية الطعم.
وإذا قلنا فاطمي، فكأننا نقول فيثاغوري أفلاطوني فيه من الأرسططالية بمقدار البهارات والأبازير.
Bilinmeyen sayfa