Endülüs'te Arap Savaşları
معارك العرب في الأندلس
Türler
وجاءت الأنباء أن ألفنس زاحف بقواته إلى بطليوس، فنشط القواد المسلمون إلى ترتيب صفوفهم ومعسكراتهم، وخطب يوسف بن تاشفين وابن عباد في أصحابهما، وقام الفقهاء يحضونهم على الثبات، ويحذرونهم من الفشل، ثم جاءت الطلائع تخبر أن العدو مشرف عليهم صبيحة يومهم، وهو يوم الأربعاء، فخرج المسلمون مبكرين وأخذوا مصافهم، وأقبلت الجيوش الإسبانية بخيلها ورجلها تملأ الفضاء، فنزلت على بضعة أميال من بطليوس، في سهل تتخلله الغابات يعرف باسم الزلاقة (Sacralias) ، وعسكرت تجاهها الكتائب الأندلسية يفصل بينهما نهر صغير.
أما يوسف بن تاشفين، فقد جعل معسكره وراء أكمة عالية، في عزلة عن معسكر الأندلسيين ، فلما أخذت العساكر الإسبانية محلاتها، أرسل زعيم المرابطين إلى ألفنس يعرض عليه الدخول في الإسلام، أو تأدية الجزية، أو مباشرة القتال كما هي السنة، ومن جملة ما قاله في الكتاب بحسب رواية نفح الطيب: «بلغنا يا أدفنش أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن يكون لك سفن تعبر فيها البحر إلينا؛ فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله - تعالى - في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال.»
فلما اطلع ألفنس على مضمون الكتاب، رماه إلى الأرض مغضبا، وقال للرسول: «اذهب فقل لمولاك: إننا سنلتقي في ساحة الحرب.»
ولم يشأ العاهل الإسباني أن يباشر القتال قبل أن يلجأ إلى بعض خدائعه المعهودة، فبات ليلته لا يحرك ساكنا، والمسلمون يحسبون المعركة ناشبة حتما غداة الخميس، فهبوا في الصباح يستعدون لخوضها، وإذا رسول من ألفنس يحمل كتابا إلى يوسف بن تاشفين يقول فيه: «غدا يوم الجمعة وهو عيدكم، والأحد عيدنا، فليكن لقاؤنا بينهما يوم السبت.» وفي رواية أخرى أنه استثنى يوم السبت أيضا؛ لأنه عيد اليهود، وفي المعسكرين كثير منهم، واختار للقاء يوم الإثنين.
فاستحسن الأمير المغربي هذا التأجيل وخاله عدلا، فوافق عليه، ولم يعلم أن ألفنس يرمي به إلى تعطيل أهبة المسلمين ليأخذهم يوم الجمعة على غرة وهم غير مستعدين، ولكن المعتمد بن عباد كان قد بلا مكايد حليفه بالأمس، وذاق سموم أكاذيبه، فلم يطمئن فؤاده إلى هذا الاقتراح المريب، واستشعر الحيلة من خلاله، فبث عيونه في الليل يتجسسون حركات الإسبانيين، فعادوا إليه يخبرونه بأنهم أشرفوا على محلة ألفنس، فسمعوا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة، فبعث إلى السلطان يوسف يطلعه على الأمر ويستحث نصرته، وكان ألفنس قد جعل جيشه قسمين: أحدهما يقوده غرسيه، والثاني يتقدم جناحيه شانجه ورمند ويقوم هو في قلبه، فعند السحر، حمل جيش غرسيه أولا يريد مباغتة الأندلسيين، وإذا داود بن عائشة يصدمه بفرسان المرابطين، ويكسر من حدة هجومه.
ولم يكن الإسبانيون ينتظرون هذه المفاجأة فانكفئوا إلى خط دفاعهم الثاني، ثم أصلحوا أمرهم وعاودوا الكرة على المرابطين، وحمل معهم ألفنس بسائر الجيش، يخترق فرسانه المدرعون بالحديد الخطوط الأندلسية، وقد ارتفع إلى السماء صياح الإسبانيين وقرع طبولهم، وكانت الحملة راعبة عنيفة، فلم يصبر لها أمراء الأندلس، فتراجعوا مفلولين ثم ركنوا إلى الفرار، فطاردهم المسيحيون إلى أسوار بطليوس، ولم يثبت في الميدان إلا فرسان إشبيلية وأميرهم المعتمد بن عباد، والفرسان المرابطون، وقائدهم داود بن عائشة، فإنهم لبثوا يجاهدون الأعداء صابرين على عض السلاح، مستهينين بالموت، لا يطلبون النجاة.
وأظهر ابن عباد من ضروب البسالة ما يملأ النفس إعجابا؛ فقد أحاط به الإسبانيون من كل جهة، فانكشف بعض أصحابه، وفيهم ابنه عبد الله، فأخذ يقتحم الصفوف معرضا نفسه للوبال، فشج رأسه، وجرحت يمنى يديه، وطعن في أحد جانبيه، وعقرت تحته ثلاثة أفراس، وهو يجالد مستأسدا لا يترك المعمعة، ولو لم ينفس عنه داود بن عائشة بعض الشيء لكانت عليه المحنة أشد وأقسى.
فقد جاهد القائدان بفرسانهما أروع جهاد، حتى لم يبق لهما أمل من الدفاع، فارتدا بأصحابهما إلى الأسوار ملتحقين بأمراء الأندلس الذين انهزموا في بدء المعركة، وأسملوا محلاتهم، فاستفاد منها الأعداء في انقضاضهم وتطويق الذين صبروا وصابروا من المسلمين، وتتبعهم ألفنس بالمطاردة ليجهز عليهم، فتدفقت وراءهم فرسان إسبانية تضرب في أقفائهم، وبارق النصر يلوح لها مشعا لماعا.
وظن ألفنس واهما أن الكسرة وقعت على جيوش المسلمين بأجمعها، وأن يوسف بن تاشفين والصحراويين في جملة المندحرين، ولكن ساء فأله، فبينما هو يطارد المنهزمين، وأصحابه يتباشرون بالظفر، إذا بالصرخة تتعالى وراءه في معسكره، وقرع الطبول يتجاوب في الهواء، وكان زعيم المرابطين قد خرج بعساكره من وراء الأكمة، وأمر قائده أبا بكر أن يخف بقوة من البربر لمعونة المعتمد بن عباد والأندلسيين، وسار هو بفيالقه الضخمة إلى معسكر الإسبانيين، فأناخ عليه، فأوقع بحاميته، وانتهب ما فيها من الذخائر والسلاح، وضجت أصوات طبوله، فاستكت لها آذان ألفنس ورجاله.
وجاءه النبأ المشئوم وهو في نشوة الظفر يتعقب الأندلسيين، ويبعثر البرابرة الذين جاءوا لنجدتهم، فترك المطاردة، وارتد بجيوشه إلى المعسكر؛ لينقذه من أيدي المرابطين، وأبصر يوسف بن تاشفين عنف الكرة، فحاد عنها خارجا لهم عن المحلة، ثم كر عليهم فأخرجهم، ثم كروا عليه فأخرجوه، وتوالت الكرات والمعسكر ينتقل من يد إلى يد، وكان أمير المرابطين يمر بين مسافات المسلمين يحرضهم، ويقوي نفوسهم على الجهاد والصبر ويقول: «يا معشر المسلمين، اصبروا لجهاد أعداء الله الكافرين، ومن رزق منكم الشهادة فله الجنة، ومن سلم فقد فاز بالأجر العظيم والغنيمة.» فقاتل المسلمون في ذلك اليوم قتال من يطلب الشهادة ويرغب في الموت، وقاتل المسيحيون أصدق قتال، وصبروا أعظم الصبر، وفي نفوسهم ما في نفوس أعدائهم من الحمية للدين والوطن، فتساقطت ألوف الضحايا من الفريقين حتى غصت بهم ساحة القتال، وخاضت الخيل في برك من الدماء، وسقط فيها جماعة فغرقوا في دم قتلاهم، وصارت الأرض ترتجف من وقع حوافر الجياد، وانعقد العجاج فأظلم النهار.
Bilinmeyen sayfa