وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾
أما قولُ الملائِكَة ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ فلم يكن ذلك انكارا منهم على ربهم، انما سألوا ليعلموا، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يُسَبِّحون ويُقَدِّسون. أو قالوا ذلك لانهم كرهوا أَنْ يُعْصى الله، لان الجن قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت.
وأما قَوْلُه ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ وقال ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ وقال ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ فذلك لان الذكر كله تسبيح وصلاة. تقول: "قَضَيْتُ سُبْحتي من الذكِر والصَلاة" فقال "سَبِّح بالحَمْد". أي: "لتَكُنْ سُبْحَتُكَ بالحَمْدِ لله". وقوله ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ جاء على وجه الاقرار كما قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون]:
أَلَسْتُمْ خيرَ مَن رَكِبَ المطايا * وأنْدى العالَمِينَ بطونَ راحِ
أي: أنتم كذلك.
﴿وَعَلَّمَءَادَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
قوله ﴿الأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ فيريد عرض عليهم أصحاب الأسماء ويدلك على ذلك قوله ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء﴾ فلم يكن ذلك لان الملائكة ادّعوا شيئا، انما أخبر عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفعله فقال ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ [٢٧ب] صَادِقِينَ﴾ كما يقول الرجل للرجل: "أَنْبِئْني بهذا إنْ كنتَ تَعْلَم" وهو يعلم انه
1 / 63