جعل "ما" والفعل اسما للمصدر كما جعل "أنْ" والفعل اسما للمصدر في قوله "أُحبُّ أَنْ تأتِيني"، واما المعنى فانما هو "بكذِبهِم" و"تَكْذيبِهِم". وأدخل "كان" ليخبر انه كان فيما مضى، كما تقول: "ما أحسنَ ما كانَ عبدُ الله" فأنت تَعَجَّبُ من" عبد الله لا من "كونه". وانما وقع التعجبُ في اللفظ على كونه. وقال ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ وليس هذا في معنى "فاصدع بالذي تؤمر به". لو كان هذا المعنى لم يكن كلاما حتى تجيء بـ"به" ولكن "إصدع بالأمر" جعل "ما تؤمر" اسما واحدًا. وقال ﴿ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ﴾ يقول "بالإِتيان" يجعل "ما" و"أَتَوْا" اسما للمصدر. وإنْ شئتَ قلت: "أَتَوْا" ها هنا "جاءُوا" كأنه يقول: "بما جاءوا" يريد "جاءوه" كما تقول "يفرحون بما صنعوا" أي "بما صنعوه" ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره "بكونِهم يكذبون" فـ"يكذبون" مفعول لـ"كان" كما تقول: "سرني زيد بِكونه يعقل" اي: بكونه عاقلا.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾
أما قوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ فمنهم من يضم أوله لانه في معنى "فُعِلَ" فيريد ان يترك أوله مضموما
1 / 43