وَقد ذكرنَا فِي خَواص الْوَاجِب لذاته أَنه يجب كَونه فَردا منزها عَن قبُول الْقِسْمَة وكل جسم وكل قَائِم بالجسم فَإِنَّهُ مركب ومنقسم فَثَبت أَن وَاجِب الْوُجُود لذاته مَوْجُود غير هَذِه الْأَجْسَام وَغير الصِّفَات الْقَائِمَة بالأجسام وَهُوَ الْمَطْلُوب
الطَّرِيق الثَّانِي الِاسْتِدْلَال بحدوث الذوات على وجود وَاجِب الْوُجُود فَنَقُول الْأَجْسَام محدثة وكل مُحدث فَلهُ مُحدث وَالْعلم بِهِ ضَرُورِيّ كَمَا بَيناهُ فَجَمِيع الْأَجْسَام لَهَا مُحدث وَذَلِكَ الْمُحدث يمْتَنع أَن يكون جسما أَو جسمانيا وَإِلَّا لزم كَونه مُحدثا لنَفسِهِ وَهُوَ محَال
إِلَّا أَنه هَهُنَا أَن يُقَال فَلم لَا يجوز أَن يكون مُحدث الْأَجْسَام مُمكنا لذاته فَحِينَئِذٍ نفتقر فِي إبِْطَال الدّور والتسلسل إِلَى الدَّلِيل الْمُتَقَدّم
الطَّرِيق الثَّالِث الِاسْتِدْلَال بِإِمْكَان الصِّفَات فَنَقُول قد دللنا على أَن الْأَجْسَام بأسرها مُتَسَاوِيَة فِي تَمام الْمَاهِيّة وَإِذا كَانَت كَذَلِك كَانَ اخْتِصَاص جسم الْفلك بِمَا بِهِ صَار فلكا واختصاص جسم الأَرْض بِمَا بِهِ صَار أَرضًا أمرا جَائِزا فَلَا بُد لَهُ من مُخَصص وَذَلِكَ الْمُخَصّص إِن كَانَ جسما افْتقر فِي تركبه وتألفه إِلَى نَفسه وَهُوَ محَال وَإِن لم يكن جسما فَهُوَ الْمَطْلُوب
الطَّرِيق الرَّابِع الِاسْتِدْلَال بحدوث الصِّفَات وَهِي محصورة فِي دَلَائِل الْآفَاق والأنفس كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق وَفِي أنفسهم﴾ وأظهرها أَن نقُول النُّطْفَة جسم متشابهة الْأَجْزَاء فِي الصُّورَة
فإمَّا أَن تكون متشابهة الْأَجْزَاء فِي نفس الْأَمر أَو لَا تكون فَإِن كَانَ الأول فَنَقُول الْمُؤثر فِي طباع الْأَعْضَاء
وَفِي أشكالها يمْتَنع أَن يكون هُوَ الطبيعة لِأَن الطبيعة الْوَاحِدَة تَقْتَضِي الشكل الكروي فَوَجَبَ أَن يتَوَلَّد الْحَيَوَان على شكل الكرة وعَلى طبيعة وَاحِدَة بسيطة وَهَذَا خلف
وَإِن كَانَ الثَّانِي وَجب أَن يكون كل وَاحِد من تِلْكَ الْأَجْزَاء على شكل الكرة فَيلْزم
1 / 45