إذ كان يأباه ويدفعه عن نفسه فأما من قال معناه أنه يضعف عن حمله فينجس فقد أحال لأنه لو كان كما قال لم يكن إذًا فرق بين ما بلغ من الماء قلتين وبين ما لم يبلغهما، وإنما ورد هذا مورد الفصل والتحديد بين المقدار الذي ينجس والذي لا ينجس ويؤكد ذلك قوله ﷺ فإنه لا ينجس من رواية عاصم بن المنذر.
وممن ذهب إلى هذا في تحديد الماء، الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث، منهم محمد بن إسحاق بن خزيمة.
وقد تكلم بعض أهل العلم في إسناده من قبل أن بعض رواته، قال عن عبد الله بن عبد الله، وقال بعضهم عبيد الله بن عبد الله، وليس هذا باختلاف يوجب توهينه لأن الحديث قد رواه عبيد الله وعبد الله معا. وذكروا أن الرواة قد اضطربوا فيه، فقالوا مرة عن محمد بن جعفر بن الزبير ومرة عن محمد بن عباد بن جعفر، وهذا اختلاف من قبل أبي أسامة حماد بن أسامة القرشي.
ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن محمد بن جعفر بن الزبير، فالخطأ من إحدى روايتيه متروك والصواب معمول به وليس في ذلك ما يوجب توهين الحديث وكفى شاهدا على صحته أن نجوم الأرض من أهل الحديث قد صححوه وقالوا به وهم القدوة وعليهم المعول في هذا الباب.
وقد يستدل بهذا الحديث من يرى سؤر السباع نجسا لقوله وما ينوبه من الدواب والسباع فلولا أن شرب السباع منه ينجسه لم يكن لمسألتهم عنه ولا لجوابه إياهم بهذا الكلام معنى، وقد يحتمل أن يكون ذلك من أجل أن السباع إذا وردت المياه خاضتها وبالت فيها وتلك عادتها وطباعها وقل ماتخلو أعضاؤها من لوث أبوالها ورجيعها، وقد ينتابها أيضًا في جملة السباع الكلاب وأسْآرها
1 / 36