أتساءل باستمرار كيف أنت، وآمل أن تحتملي هذه المحن بالشجاعة التي تبدينها إزاء أسوأ معاملة للرجال ... عندما أفكر بالثورة الجامعية فإنه يبدو لي أنني قد عانيت كابوسا حقيقيا. فكل ما كان مثاليا في فكرة الجامعة كان مجسدا في شخص العميد (لا أستطيع أن أسميه بغير هذا الاسم): البحث النزيه عن الحقيقة، والوطنية النقية الشريفة التي لا تحط أو تهين وطنيات الآخرين، والشخصية الساحرة النبيلة. فلماذا وجهوا للجامعة هذه الضربة القاضية بتدميرهم أهم ركن في هذه المؤسسة؟
وهناك شيء أثر في نفس طه كثيرا برغم تواضعه الشديد؛ فقد أهدى بيرجشتراسه له كتابه حول قراءات القرآن. ويؤكد طه على كلمات هذا الثناء الذي أدهشه بذلك النوع من البراءة التي لم تفارقه قط، ولقد تأثرت أنا نفسي بهذا: «لا كلمة إهداء فحسب، وإنما أقدم كتابي إلى الدكتور طه حسين الذي يناضل في الصف الأول في سبيل تقدم الروح العلمية.» لقد مات هذا الإنسان النزيه بصورة مأساوية في العام التالي في جبال بافاريا.
وسرعان ما قدم إليه وفد من الطلبة: «أنت معلمنا؛ فلا تتخل عنا.» وخصص لهم طه صباح كل يوم جمعة للاجتماع بهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
كان تعلق الشباب به دائما. فحينما ألقى محاضرته الشهيرة عن فاليري في الجامعة الأمريكية، كانت القاعة التي غصت بالحضور في هياج كامل، وكان حضور بعض الأزهريين في هذه القاعة حدثا ممتازا. كانت عاطفة الجماهير تعبر عن نفسها بطريقة مسلية؛ فقد تعرفت عليه ذات يوم فتاة عند خروجه من المحطة، فتأملته مليا، ثم صاحت بإعجاب: «هو زي القمر!» عبارة تعبر عن إطراء بليغ باللغة العربية الدارجة. وكان هناك واحد من تلاميذه لم يكف عن تشبيهه بالقمر، لا بالبدر كما هو واضح.
لم يكن الشباب والأجانب وحدهم من كان يدعم الرجل الذي كان يعمل على تحطيمه أعداء أقوياء. فعندما كان يسير في الطريق، كان المارة يسعون إليه ويعبرون له عن تعاطفهم معه ورغبتهم في أن ينتهي كل ذلك على خير. وكان يستطيع بعد ذلك أن يقول: «إنني أملك على الأقل العزاء المعنوي؛ لكوني على ثقة من أن الجمهور لا يتحول عني.»
وخلال جنازة والد زوجة عمر مكرم، كان من بين الجماهير التي أحاطت به مشايخ كانوا يقبلون يده.
أما الأمير يوسف كمال
141 (من كان يظن ذلك؟!) فقد دعاه للعشاء، وكان هذا التصرف أقصى درجة من المجاملة والتلطف.
في ديسمبر 1933، كان الاتحاد النسائي
142
Bilinmeyen sayfa