77

فرفع الأمير حاجبه صامتا ومضى ابن عمه فقال: إنه شيخ لبيب يعرف حقيقة مصلحته.

أليس هو الذي كتب على أبواب القاهرة طلاسمه وأسراره زاعما لطومنباي أن ابن عثمان لن يستطيع أن يدخل من تلك الأبواب ما دامت طلاسمه عليها؟ لقد اعتقد طومان المسكين في ولايته، ولم يتحول عن اعتقاده بعد، مع أنه قد رأى ابن عثمان يدخل القاهرة من تلك الأبواب المطلسمة. وها هو ذا ابن عثمان يخترق ريف مصر، ويهزمه في موقعة بعد موقعة حتى أتمها ست هزائم طاحنة، وطومنباي مع ذلك مستمر على اعتقاده في شيخه المبارك.

فقال الأمير ولم يخف ما أصابه من ألم: إنك لا تحب الشيخ يا شكر، فدع هذه السخرية المرة فإني لا أحب أن يصيبك منه أذى.

فعاد شكر إلى الضحك وقال في عناد: أما أنا فلست أبالي أذاه. إن الشيخ الصالح في زاويته بالقاهرة عند كوم الجارح يقيم حلقات الذكر لأتباعه المخلصين، فليس يسمع سخريتي.

فلم يجب حسن، بل عبس ومضى في سبيله صامتا. ولكن ابن عمه قال جادا: أما بلغك أنه كان يستقبل رسل ابن عثمان في زاويته؟ لقد أخبرني بذلك أحد مريديه. وكان الشيخ على عادته حريصا لبيبا؛ لأنه طلب من أتباعه ألا يذيعوا سر ذلك الرسول. وها هو ذا ابن عثمان قد زاره في زاويته أول شيء بعد دخول مصر.

فقال حسن في جفاء: دعنا من هذا الآن، فها هو ذا الركب يعرج نحو منازلنا، فأسرع بنا لنلقاه.

وهمز فرسه فانطلق به مسرعا، ووثبت وراءه أفراس أصحابه تثير غبار الصحراء.

ولما استطاع حسن أن يتبين الوجوه والملابس في غبش المساء قال في شبه صيحة: إنه السلطان طومنباي.

ولما صار على خطوات من ركب طومنباي، ترجل وألقى عنان فرسه على عنقه وصاح مرحبا: شرفت البلاد يا مولاي!

فترجل السلطان وفتح له ذراعيه وتعانق الصديقان.

Bilinmeyen sayfa