Mabahith fi Ulum al-Quran by Subhi al-Salih
مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح
Yayıncı
دار العلم للملايين
Baskı Numarası
الطبعة الرابعة والعشرون كانون الثاني/ يناير ٢٠٠٠
Türler
أنزله الله، وشتان بين أسلوب محمد ولو كان أفصح البشر وأسلوب منزل القرآن صاحب القوى والقدر! فكان لزاما على العلماء أن يبالغوا في الحيطة والحذر، ويوجبوا على كل مستشهد بحديث قدسي أن يستهل العبارة بقوله مثلا: "قال رسول الله فيما يرويه عن ربه، أو قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله، أو قال تعالى في "الحديث القدسي"، بهذا التقييد والتحديد.
ولسنا الآن بسبيل الحديث عن إعجاز القرآن، فقد عقدنا له فصلا في أواخر هذا الكتاب، وإنما يعنينا التنبيه على وعي النبي نفسه الفرق الذي لا يتناهى بين حديثه وكلام الله. ولئن كانت هذه التفرقة ملحوظة حتى في الأحاديث التوقيفية، والقدسية ليكونن إداركها في آراء الرسول الدنيوية أولى وأجدر، وأوضح وأيسر.
ولن نذهب في المقارنة بعيدًا، فإن حادثة "تأبير النخل" أو تلقيحه قريب منا، مشهورة لدينا: مر ﵊ بقوم على رءوس النخل: فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ "، فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأثنى فتلقح، فقال رسول الله ﷺ: "ما أظن يغني ذلك شيئا". فلما أخبرا بقول الرسول تركوا تلقيح النخل، فقال النبي: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله ﷿". ويلاحظ أن النووي سلك هذا الحديث في صحيح مسلم في باب "وجوب امتثال ما قاله ﵊ شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي"١. ومعه رواية أخرى تنتهي بقوله ﵊: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" ٢. فميز النبي تمييزا قاطعا بين تجربته الإنسانية الدنيوية الظنية التي يحتملها احتمالا ويرجو ألا يؤاخذه صحابته بها، وبين تجربته النبوية الدينية القطعية التي يأمرهم بالأخذ بها كلما
_________
١ انظر صحيح مسلم، بشرح النووي ١٣/ ١١٦.
٢ صحيح مسلم ١٣، ١٨٨.
1 / 34