إني لأعلم أن هذا المبحث سيستغربه إخواني المسلمون، وربما جلب في الظنون، ولكني لا أبالي بظنونهم في سبيل حقيقة مهمة أكره أن يجهلها إخواني، وأن يجهلها النصارى أيضا، وهي أن ديني الفريقين مبني على الإيمان بالغيب،
3
وعلى تصديق الرسل
4
بما جاءوا به من أخبار الملائكة والشياطين والجن، وأول الخليقة، وخبر آدم، وأخبار رسل الله وكتبه
5
التي بعثها إليهم، والغرائب التي حدثت بإذن الله، نحو ولادة عيسى، ثم صفات الله الذي ليس بمادة، مثل أنه متكلم، وقد كلم موسى، وسميع يسمع الذي يدعوه، وبصير يكره كشف عورة الإنسان في خلوته لأنه يراها، ثم صفات الجنة موعد المتقين، وما فيها من العنب والرمان والنساء الحسان والولدان وصفات النار موعد الكافرين، وما فيها من آلات العذاب وصنوف العقاب أبد الآبدين ودهر الداهرين على جرم هو عدم تصديق الإنسان بما لا يدركه عقله.
فيا أخا العقل ومن يريد كل شيء من الدين بالعقل، إياك ثم إياك من الوقوف في العالم الغيبي مع العقل، إذا كنت ترجو تلك الجنان وتخشى تلك النيران، فإن كنت لا ترجو ولا تخشى ما هنالك فإياك ثم إياك أن تدعي الدين؛ فإنك كاذب بشهادة أهل كل الملل أجمعين. ها قد أبلغتك الحقيقة، والله يعلم أني لك من الناصحين.
فإذا علمت ذلك يا صاحب العقل من المسلمين فاعلم أن المسيحي يسلم إلى الله في إيمانه بعالم الغيب تصديقا لمتى ومرقس ويوحنا وبولس، وإذا علمت ذلك يا صاحب العقل من النصارى فاعلم أن المسلم يسلم إلى الله في إيمانه بعالم الغيب تصديقا لمحمد
صلى الله عليه وسلم ، وإذا علمتما أنه لم يسلم أحدكما في هذين الإيمانين المتشابهين بمجرد عقله، فاعترفا بأنكما متشابهان في سبب الإيمان وتصافحا؛ فإنكما في هذا الباب إخوان.
Bilinmeyen sayfa