وسار الاثنان جنبا لجنب إلى غرفة الطعام. •••
غادر حسن المدرسة قاصدا منزله، فلما وصل سأل عن أمه، فقيل له إنها ذهبت لبيت أخيها؛ لتعد مع زوجته معدات السفر، فقصد منزل خاله وفيه قابل والدته وزوجة خالة، وجلس معهما يتكلم في شئون السفر ويتأسف على الفراق، وكانت تسمعه لبيبة من وراء السجف وهي تبكي لكلامه وتتوجع لآلامه، ودخل عليهم خاله فقام حسن من كرسيه وقبل يده، وقال له: كيف حال خالي اليوم؟ عسى أن تكون في خير وسلام. - لا يؤلمني يا ولدي إلا فراقكم، ولقد حكم به القضاء، فعبثا نحاول دفعه. - هل من حيلة لرد هذا القدر؟ - إني أجد في السفر مأمنا يقيني شر رئيسي. - وهل ينوي لك الشر؟ - إنه يعمل على النكاية بي؛ لظنه أني أرميه في كل ناد بالرعونة والطيش والجهل التام. - ومن صاحب هذه الوشاية؟ - كثيرون يا ولدي، ولقد صفحت عنهم ولله الأمر.
ثم التفت عبد الرءوف أفندي لزوجته وقال لها: سنسافر بعد باكر، فهل أعددت كل شيء؟
فأجابته أخته قائلة: كدنا أن نتم كل شيء، ولم يبق إلا عدة حقائب سنجهزها غدا.
وأتت القطة «دلال» وتمسحت في أذيال سيدها، فأخذها على ركبتيه ولاعبها قليلا، وقال: وكيف نأخذ دلال معنا؟ هل أعددتم لها قفصا جميلا؟ أود أن تضعوا فيه قطعة من القماش حتى لا يؤلم جريد القفص عظام هذا الحيوان الجميل.
فأجابته زوجته: لقد هيأت لبيبة لها القفص قبل أن تهيئ حقائبنا، فلا يشغل بالك أمرها. - إني واثق من حب ابنتي لهذا الحيوان الصامت.
ثم التفت لابن أخته وقال: كيف حال كلبك سحاب؟ - لقد وجدته اليوم في ساحة محمد علي، ولا أدرى ماذا كان يصنع، فرافقني إلى الدار، ولقد تركته هناك. - إن سحاب كلب أمين.
فقالت أخته: ولكنه نجس. - يتهم الإنسان الكلب بالنجاسة؛ لأنه يغار من وفائه.
ثم قام إلى غرفته ليخلع ملابسه، ولما فارقها إلى الفسحة وجد الطعام مهيأ، فجلس مع زوجته وأخته وابن أخته يتناولون العشاء سويا. أما لبيبة فأكلت بعض ما تبقى منهم، وكانت تشعر بالسعادة والحزن في ساعة واحدة؛ سعادة قرب حبيبها منها، وحزن فراقها عنه بعد يومين.
فرغ القوم من العشاء، وودعت الأخت أخاها، وخرجت مع ابنها إلى منزلها، ومكثت معه هنيهة يتجاذبان أطراف الحديث، ثم قام حسن وقبل يدها، وأغلق باب غرفته بعد أن أشعل مصباحه وجلس أمام مكتبه يفكر. ثم أخذ القلم في يده وغمسه في الدواة وكتب في وسط السطر «الحاسد والمحسود»، ولبث بعدها عشر دقائق وهو بين عاملين يتجاذبانه؛ عامل الإقدام وعامل الإحجام، إلى أن تغلب العامل الأول على الثاني؛ فابتدأ في الكتابة وهو ممتقع اللون خافق القلب، وما زال يكتب سطرا ويشطب آخر إلى أن أتم مقالته، ثم قرأها لنفسه مرتين، وهو يتمشى في غرفته بعد أن أعاد كتابتها على ورق جيد، ثم طواها ووضعها في ظرف أعده لذلك، وكتب عليه بالثلث:
Bilinmeyen sayfa