وفي رأينا أن ما نقل من الآثار خارج بلاد العرب لا يمكن أن يؤخذ منه ما يفيد بصيغة الجزم تاريخ العرب قبل الإسلام. (2-9) المستشرقون المحدثون
وهم جماعة من العلماء الأوربيين عكفوا على دراسة اللغة العربية وغيرها من اللغات الشرقية حتى حذقوها، ثم تخصص كل منهم بعد ذلك في دراسة فرع من فروع الأدب أو التاريخ العربي أو الشرقي في مصادره الأصلية فلم يتركوا - في صبر وجلد - شاردة منه ولا واردة إلا فحصوها ووزنوها بميزان النقد العلمي الحديث، وقد أنفق الكثير منهم عمره في ترجمة مرجع عربي أو شرقي إلى لغته الأصلية سواء أكانت الألمانية أم الفرنسية أم الإنجليزية أم الإيطالية والتعليق عليه ومراجعته على المصادر الأصلية الأخرى المطبوع منها والمخطوط، وقد كتب الكثير منهم كتبا في الأدب العربي أو التاريخ الإسلامي، تستهوي الباحث بحسن ترتيبها، وجمال تبويبها، وتركيز المعلومات فيها تركيزا لا يجهد القارئ في البحث ولا يكلفه عناء الاستقصاء، وتجعل بعض المحدثين من رجال عصرنا يعيشون عالة عليها يلتمسون العلم من أسهل مناهله وأقرب موارده، ولئن كان البعض من هؤلاء المستشرقين يركب هواه في بعض الأحيان فيخون العلم في سبيل تحقيق غرض ديني في الغالب، إلا أن الجمهرة منهم تغلب فيهم النزاهة العلمية وبخاصة إذا كان الموضوع الذي يعالجونه غير شديد المساس بالدين.
وفي موضوع كموضوع تاريخ العرب قبل الإسلام، أرى أن الاعتماد عليهم - وبخاصة لأنهم أعرف الناس بالكشوف الحديثة في بلاد العرب - يكون اعتمادا مأمون العاقبة إلى حد كبير. (2-10) الأدب العربي
قلت في فقرة [مؤرخو العرب]: إن من أكثر ما اعتمد عليه مؤرخو العرب في رواية تاريخ العصور السابقة للإسلام هو الأدب العربي، من نثر ونظم، الذي كان يتناقله الرواة مشافهة، وأقرر الآن هنا أنه في ضوء البحث العلمي الحديث يصعب الاعتماد على الأدب العربي كمصدر هام من مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام لعدة أسباب:
منها أن هذا الأدب لا يرجع إلى أكثر من عصر الجاهلية وهو جزء من عصر ما قبل الإسلام يقدر له العلماء زمنا يتراوح بين قرن ونصف وقرنين ونصف قبل ظهور الإسلام مباشرة، بينما يقدر العلماء لعصر ما قبل الإسلام مدة تتجاوز الثلاثين قرنا تمتد من سنة 1500ق.م إلى سنة 622 ميلادية.
ومنها ما تسرب في السنوات الأخيرة إلى هذا الأدب من الشك؛ إذ يرى فريق من المستشرقين وبعض المحدثين وعلى رأسهم أستاذنا الدكتور طه حسين أن الشعر الجاهلي - لأنه كان يتناقل مشافهة دون تدوين، وبسبب الخلاف الكبير في بعض رواياته، ولأسباب لغوية أخرى - إنما هو كله أو الشطر الأكبر منه ملفق أتقن تزويره حماد الراوية وخلف الأحمر من الرواة في القرن الثامن الميلادي.
وإذا كانت نظرية تلفيق الشعر الجاهلي خاطئة فإن ما وصل إلينا منه مع ذلك - إذا استثنينا بعض القصائد كالقصيدة الحميرية التي يعدد فيها أسماء الملوك المثامنة والأذواء المستقلين من حكام اليمن - ليس فيه غناء كبير فيما يتعلق بالتاريخ السياسي وأسماء الدول والملوك؛ إذ هو قاصر على وصف بعض أخلاق العرب ومعتقداتهم الدينية وعاداتهم وغير ذلك.
أما ما ينسب إلى بعض قوم طسم وجديس من الشعر وغيره، فلا يعدو في نظرنا أن يكون نسيجا جميلا من خيال الشعراء أو الرواة المتأخرين. (3) موطن الجنس السامي الأول وهل هو بلاد العرب
ليس من شأننا في هذا البحث أن نتعرض لمسألة الطوفان، وهل كان عاما شمل الكرة الأرضية أم كان قاصرا على منطقة دجلة والفرات، وإنما يكفي أن نذكر هنا ما روته التوراة من رسو سفينة نوح عليه السلام بعد انحسار الطوفان على جبل أراراط في هضبة أرمينيا «الإصحاح الثامن من سفر التكوين»، ومن ثم تفرق أبناء نوح، فسار يافث إلى الشرق وسار حام إلى الغرب، أما سام فإنه نزل إلى الجنوب، واختلف الباحثون في المكان الذي استقر فيه الساميون الأول، وتتلخص آراؤهم في القول بأن الساميين قد أخذوا نشأتهم الأولى في واحد من الأماكن المختلفة الآتية: (1)
عند مصب النهرين. (2)
Bilinmeyen sayfa