12
عكفت على تحديد المرحلة الأولى فقط، حينما تتبع النقاد بعيدو النظر صناع الأفلام المغامرين الذين قدموا موضوعات غير مطروقة من خلال أشكال وأساليب خلاقة. حين قدمت هذه الأفلام في معهد «السينماتيك» الفرنسي، وفي نوادي السينما ومسارح الفنون في خمسينيات القرن العشرين، حيث قدمت هذه الأفلام، عرضت مجموعة منتقاة من أعمال أقدم على نحو دوري؛ لتوفر أساسا متينا للأعمال الحداثية. امتدح مورناو، ولانج، وفورد، وآيزنشتاين، وهوكس لتحويلهم العالم إلى شيء ساحر، شيء كان بالإمكان اختبار فاعليته في تجربة المشاهدة الجماعية في دار العرض. كان رومير هو صانع الذائقة الرئيسي في «كاييه» خلال خمسينيات القرن العشرين، ناشرا سينما الكشف أكثر من سينما النقد. على الرغم من ذلك، بعد رحيل بازان، صار هذا الولع بالسينما يستعد لمهمة حداثية بطريقة أكثر ملاءمة حددها فيلما «هيروشيما حبي» و«العام الماضي في مارينباد». تحدى تجريب رينيه الشكلي (شبه الطليعي) الجماهير، مثلما فعل جون دوبوفيه وروثكو في الرسم، أو بارتوك وبوليه في الموسيقى. كانت الصعوبة والرفض هما مقياس تقدم الفن في ستينيات القرن العشرين. يصور دو باك صراعا في قلب «كاييه دو سينما» خلال هذا العقد، مركزا على عام 1963. على جانب، وقف رومير وتروفو اللذان كانت السينما برأيهما تسمح للعالم بأن يفاجئنا. وعلى الجانب الآخر، كانت حداثة جودار وكذلك ريفيت على وجه الخصوص، اللذين أكدا أهمية النقد الثقافي والسياسي. تولى ريفيت رئاسة تحرير المجلة من رومير، مبديا انتقالا نحو بريخت ورولان بارت، ولم يمر وقت طويل حتى حدث انتقال إلى المذهبين السيميائي والبنيوي. لكن «كاييه»، خلال تلك الفترة وفيما بعدها، التي شهدت انتقالات أكثر جذرية، احتفظت بهوسها بالأسلوب، وبفكرة «الكاميرا-القلم».
تثير التصورات التطورية للسينما (والفن والثقافة كذلك) أسئلة حول العلاقات العائمة بين مصطلحات مثل كلاسيكي وحداثي وطلائعي.
13
تظهر علامة الاستفهام في آخر عنوان كتاب بازان «ما هي السينما؟» من جديد لتؤكد عنوان كتاب دومينيك بايني الصادر عام 1995 «السينما، فن حديث ؟» وعنوان كتاب جاك أومو الصادر عام 2007 «حديث؟» ربما كانت السينما دائما مرتبطة بما هو حديث، لكن الحداثة بحكم تعريفها تستمر في التغير، على نحو يخل بهذه العلاقة. يعترف هذان الكتابان الحديثان بحقيقة تسمية السينما المستمرة لنفسها بأنها الفن الحديث بامتياز، لكن بينما يتجشمان عناء التحديد والتأريخ لنسخ عدة من «السينما الحديثة»، فإنهما يدركان أن لحظة ما بعد الحرب كانت لحظة مميزة. شعرت السينما في تلك الفترة - إن كان هذا حدث في أي وقت - أنها كانت كفئا لمهمة تمثيل ما كان في الواقع هو المشهد الأوروبي الاجتماعي والاقتصادي السريع التحول. جعلت المعتقدات الجديدة، والأعراف الجديدة، والتكنولوجيات الجديدة، وسرعة التبادل المرفوعة - السينما أكثر الفنون عصرية وأهمية من الناحية الثقافية. لكن هذا نادرا ما يعني أنها كانت تقف دائما بمفردها؛ فكما رأينا، آمن بازان بأهميتها وقدرتها على أن تكون مرتبطة ارتباطا تعايشيا مع الثقافة التي تشتبك معها، وهي ثقافة متاحة على نحو أشد تعقيدا من خلال الفنون الأخرى، خاصة الرسم والأدب.
نشوء السينما
الواقع أن هناك بازانين: بازان مؤلف مقال «أنطولوجيا الصورة الفوتوغرافية» الذي أسس تاريخا لواقعية السينما - من زمن ستروهايم، ومرورا برينوار، إلى الواقعية الجديدة - وبازان مؤلف مقال «من أجل سينما مشوبة» الذي يدعم سينما حداثية. يعد الأول محليا كما لو كان بازان مدافعا عن نمط سياسة معين. اختلفت أنيت ميشيلسون في مراجعتها الفطنة، وإن كانت سلبية، لكتاب «ما هي السينما؟» مع ميله للأسلوب الواقعي؛ لأنها هي نفسها دافعت عن تقليد راسخ في المدرسة السوفييتية وفي الطليعة التاريخية. كتبت ميشيلسون إن بازان ربما ناصر سينما حديثة، لكن جمالياته كانت مضادة للحداثة.
14
حيثما امتدح روسيليني بالربط بينه وبين الروية الأمريكية (فوكنر، ودوس باسوس)، فضلت ميشيلسون آيزنشتاين، واستطاعت الربط بينه وبين كاتب أكثر جذرية، وهو جيمس جويس! ربما دعم بازان «طليعة جديدة»، لكنه فشل، كما رأينا، في تقدير «الطليعة التاريخية» (البنائية) أو الاعتراف بالطليعة الحقيقية لعصر ما بعد الحرب (وعلى رأسها ستان براكيج). تتساءل ميشيلسون ماذا كان بازان سيقول عن أفلام جودار التي لم يتمكن من مشاهدتها؟ كانت ميشيلسون أول كاتبة بالإنجليزية تنتقد بازان. بعد مرور عشرين عاما على نقد ميشيلسون لبازان، أثار نويل كارول المسألة نفسها بمزيد من العمومية: إذا كان جوهر السينما ينبع من الواقعية المتأصلة في تكوينها الفوتوغرافي، فلا بد أن بازان يصنف الأفلام طبقا لدرجة من الواقع تحط من شأن قطاعات إنتاج كاملة، بل ويستبعدها.
15
Bilinmeyen sayfa