الفيلم مقسم إلى مقاطع تصممها بطلته الخيرة لتفاجئ معارفها في الحي ولتساعدهم. تعتمد خدعها العبقرية على المعادل الأخلاقي لفيزياء نيوتن؛ حيث تصنع صفا من العناصر التتابعية التي يشغل كل منها العنصر الذي يليه للعمل، كالمرحل أو المحرك في الآلة. تقود نينو إلى كنيسة القلب المقدس باستخدام كابينة هاتف، وتمثال، وعلامات بالطبشور، وتليسكوب، بترتيب اكتشاف هذه العناصر نفسه. تعذب أميلي بائع الخضراوات بتغيير روتينه الصباحي (المنبه، والغرغرة، والحذاء) حتى انتهى به الحال أمام متجره في منتصف الليل. أميلي هي قائدة المنظور الأخلاقي. ووراءها، يتطلع دوفايال الفنان، من موقف المخرج البديل، الذي يصمم، بسبب عزوفه الجنسي وتنسكه، مصيرا شهويا هو الأكثر روعة لهذا الملاك. أكثرت المراجعات من القول إن فيلم «أميلي» أعاد الجاذبية والسحر إلى السينما.
ليس السحر بالطبع على الإطلاق، ولكنه العمل المحسوب لتركيب الفيلم (التحرير) هو ما يقود هذه الشخصيات التي يتتبعها عن قرب المشاهدون المبهورون، وهي تمضي إلى مصائرها المقدرة سلفا. هذا هو وقع «أميلي» الذي لا يتساءل سوى قليل من الجمهور كيف يجرفهم معه. ولو أنهم سألوا حقا، كيف سيردون؟ يربك تعقيد التحرير السمع-مرئي حتى دارسي السينما حينما يطلب منهم تحليل لقطات مشهد من فيلم كلاسيكي، فضلا عن عشر دقائق من فيلم لجودار. يبقى التحرير، وهو المرحلة الوسطى بين التسجيل والعرض، بعيدا وغامضا للجمهور العام، على الرغم من أن هذه هي المرحلة التي تتولى فيها مهارات صانع الفيلم الخطابية أو التعبيرية مقاليد الأمور من لحظة التسجيل غير المتوقعة جزئيا، وحتى تأثيرات العرض غير المتوقعة كليا. ربما يكون السبب هو أن الموفيولا أو طاولة التحرير - على العكس من الكاميرا أو جهاز العرض - هي جهاز غير مألوف، وإن كان خليفته دخل السوق المألوف على هيئة برنامج كمبيوتر يتخذ اسما من قبيل «فاينال كت برو».
يعني تحرير الأفلام اليوم عموما تحويل كل المدخلات السمع-مرئية إلى معلومات رقمية تعالج بعدئذ ببراعة حتى تصل إلى النسخة النهائية. لا يشكو سوى القليلين في صناعة الأفلام من هذا التقدم التكنولوجي الذي لا يمكن إنكاره، ومن السرعة والملاءمة اللتين يجلبهما، فضلا عن الخيارات اللامحدودة التي يتيحها لتصحيح المادة الفيلمية الخام وتحسينها. يظل هناك صناع أفلام عنيدون، يعتقدون أن التحرير نوع من النحت، ويحتاجون للمس شريط السيليولويد، وقياس طول اللقطات بالأمتار بدلا من المعيار الرقمي. ويأسف كثير من الممثلين والمخرجين المنتمين إلى المدرسة القديمة لتفكك المشاهد إلى عناصر منفصلة، معتبرين أنه احتقار لمهنتهم، ولعلهم نسوا أن «الديكوباج» دائما ما كان يحدث بطريقة أو بأخرى. نعى جون -بيير جيون هذا الانتقال في التركيز من التصوير إلى ما بعد الإنتاج؛
51
حيث أفسح فن تصميم المشهد الطريق لمهارة «تركيب» طبقات العناصر البصرية. وأصر المخرج مارتن سكورسيزي على صنع فيلمه «عصابات نيويورك» («جانجز أوف نيويورك»، 2002) في استوديوهات تشينيتشيتا في روما، مدركا أن هذا ربما يكون آخر فيلم بميزانية ضخمة يصور بالكامل في موقع التصوير، بحضور كل الممثلين لتمثيل مشاهدهم.
52
كان يأمل في تصوير - أو استكشاف - أدق الدلالات لإيماءات دانيال داي لويس، وليوناردو دي كابريو، وبقية الفريق وهم يمثلون في مواجهة بعضهم بعضا في موقع حقيقي. كان يفهم أن المساحة الواقعية مجال للمهارة، وكان عليه مساعدة الممثلين في التوصل إلى الحركات التي سيؤدونها من خلال التدريبات، وإعادات التصوير المتكررة. لكن التركيب الأساسي للفيلم حدث هناك حينئذ، لا لاحقا على الكمبيوتر. كان ضوء الشمس الحقيقي الذي تعززه عاكسات بالطبع يرتد من الوجوه في الزمن الحقيقي. كان هذا يعني الكثير لسكورسيزي في محاولته للتنقيب في أعماق السيناريو والممثلين. اختلفت الأمور لديه في فيلمه التالي «الطيار» («ذي أفييتور»، 2004)، على الرغم من أنه حتى في هذا الفيلم، ملئت المشاهد الرئيسية بممثلين يواجه بعضهم بعضا في مواقع حقيقية، بينما «سيد الخواتم» («لورد أوف ذا رينجز»؛ جاكسون، 2001-2003)، و«كينج كونج» (جاكسون، 2005) وبالتأكيد «بيوولف» كلها مركبة بكثافة لدرجة أن كل وجه يبدو مصورا على نحو منفصل في أفضل وضع معبر؛ ليضاف إلى اللقطة، ثم إلى المشهد من قبل المحرر. ربما تستحق الأفلام الجماهيرية المصنوعة بهذه الطريقة أن تصنف في فئة «الأفلام المتحركة».
لم يكن هذا ليثير ضيق شون كيوبيت الذي يصر في كتابه «أثر السينما» على أنه قبل ظهور التقنية الرقمية بوقت طويل - بدءا من ميليي حقا - كانت الأفلام تبنى من عناصر مقطعة جميعا على طاولة أو في معمل. ويفترض أن «القطع» يحول الطاقة المرئية الصافية (التي لم تصبح بعد معلومات) لما التقطته الكاميرا إلى وحدات لها شكل ومنظور. هنا يمارس المنتج سيطرته على عملية صناعة الفيلم، منجزا من خلال التحرير تلك التأثيرات التي يعتبرها الجماهير «رائعة».
53
يعتقد كيوبيت أن التحرير هو بمنزلة «المؤثر الخاص» الأساسي للسينما، بلا تغير، حتى لو كان يمارس الآن على برامج «أفيد» بدلا من طاولات مزودة بأدوات مزامنة وإعادة للشريط. لكن أليس من الممكن أن تغير المواد الجديدة التي يعمل بها المحررون جوهر مفهوم ذلك العمل؟ كان «القطع» في الأساس يتم بشكل طولي على شريط السيليولويد على حد الإطار. هذه الحدود الثابتة تختفي في برنامج «أفيد» الذي لا يقيس الوحدات المكونة للفيلم بالطول (عدد الأمتار أو الأقدام أو الإطارات)، ولكن بالمعيار الزمني.
Bilinmeyen sayfa