34

Sinema Nedir

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

Türler

ثم جاء بريسون؛ ورغم أنه كان منطويا وغير اجتماعي، فقد انضم لبازان وجون كوكتو في عام 1948 لإنشاء نادي السينما في شارع الشانزلزيه، حينما كان يخطط لصنع فيلم «يوميات قس في الأرياف» («ديري أوف آ كانتري بريست»، «جورنال دن كوري دو كامباني»، 1951). رد بازان روعة هذا العمل الرائع إلى الطريقة التي صفى بها بريسون ما قدمه برنانوس بالفعل في الصيغة الموجزة من اليوميات. القس، ونحن معه، نحس بالمنظر الريفي من خلال المصفاة الدائمة لنظرته الأخلاقية التي تصبح هي الموضوع الحقيقي للفيلم، جوهر القس المتفرد، المرسوم بثبات. كان لبريسون تأثير هائل في «كاييه»، ويتجلى هذا في مقابلة جودار معه عقب العرض الأول لفيلم «بالتازار بالصدفة» («أو هازارد بالتازار»، 1966)، وهو فيلم آخر يتكون من مقاطع، لكن إيقاعه محدد هذه المرة، بطريقة غير بشرية مربكة للغاية، بمعاناة حيوان. وكما يقول سيرج داني، كنا في «كاييه» منجذبين لأفلام ترد على نظرتكم إليها - كما تفعل الحيوانات - بنظرة نابعة من غيريتها.

كان فيلم آلان رينيه «هيروشيما حبي» («هيروشيما مون امور»، 1959) أول فيلم يذكره داني كما لو كان الفيلم يحدق فيه، محولا إياه من مجرد متفرج إلى مشاهد لا يهدأ، أو ما سماه «ابن السينما» (وليس «المولع بالسينما»). كان داني الذي سيصبح بسهولة أكثر النقاد أهمية بعد بازان في فرنسا يبلغ من العمر 13 عاما حينما صعق هو ووالدته بما شاهداه - وما لم يشاهداه كذلك - في «هيروشيما حبي». من خلال نوع من التلاقي النفسي المتواصل بين حبيبين لا يذكر اسماهما، ينشأ واقع غير بشري لا نستطيع أن نواجهه - أو لن نواجهه - بطريقة عادية.

جعلت «كاييه» من فيلم رينيه الموضوع المحوري لحلقة نقاشية شهيرة دفعت داني للقيام بمهمته المتنقلة: «إذا كانت السينما قادرة على هذا ... كان عندي رد على السؤال الصعب: «ما الذي ستفعله بحياتك؟»» نعرف ما فعله بحياته بالغة القصر. تولى تحرير «كاييه»، وصاغ القول الفصل الذي استحضره رينيه، وأكرره هنا: «السينما مرتبطة بالواقع، ولا علاقة للواقع بالتمثيل.» يستحضر فيلم «ليل وضباب» («نايت اند فوج»، «نوي إ برويار»، 1955) - وهو المثال الأفضل هنا - الهولوكوست، ولكنه لا يتظاهر بأنه يمثلها. ينقب رينيه تحت مناظر أوشفيتز الطبيعية الملونة الهادئة، كاشفا طبقة من الماضي - لا يمكننا تسميتها تاريخا تماما - ومن رعب لا يمكن تمثيله حرفيا. تنزل لقطات رينيه المميزة داخل حفرة سوداء من الشناعة. لم يستفد شخص منذ سيرجي آيزنشتاين من المونتاج بهذا القدر؛ لكن بينما كان المخرج الروسي يضع الصورة بجوار الأخرى، يرفض رينيه «الصور الملتقطة» بالألوان، لصالح «الحقائق المعطاة» بالأبيض والأسود. المشاهد الأولية بالأبيض والأسود مصنوعة من «اللاصور» كما كان من شأن داني أن يسميها.

46

كون أي حدث لا يمكن تخيله «معطى» يخرج الكاميرا التي تصوره عن مسارها، ويغرقها أسفل السطح الأخضر إلى ما تبقى («أطلال» المعسكرات). ماذا نفعل بها الآن؟ بالفعل، يسأل الفيلم في خاتمته: «ماذا نفعل؟» تنطبق ملحوظة بازان بخصوص «رحلة إلى إيطاليا» بملاءمة أكثر على «ليل وضباب»: «الحقائق حقائق، يستفيد منها خيالنا، لكنها لا توجد في الأساس لهذا الغرض.»

47

يفصل فيلم «كل ذاكرة العالم» («تو لا ميموار دي موند») الذي صنع بعد بضعة أشهر المعضلة الوجودية التي تضاعف الصدمة التي تتسبب فيها صور «ليل وضباب »: كيف يمكن للحاضر أن يسهم في الماضي؛ وكيف يمكنه تجنب الماضي مع ذلك؟ تمثل المكتبة الوطنية دليلا على هذا التناقض. هنا لا تقع حقائق التاريخ الإنساني الصلبة تحت حقل مجهول؛ فهي مركزة في حصن للذاكرة. ومثل موظفي المكتبة الدقيقين، يعامل رينيه كل كتاب أو أثر - سواء أكان دورية مجهولة أم مخطوطا شهيرا - على أنه حقيقة في لغز غير قابل للحل. الحقائق تغلبنا حتى حينما تدار وتنظم وتفهرس بعناية بالغة. وكما قال روجر أودين، فالفيلم مركب من تضاد بين الفضاء الفعلي والفضاء المجازي، بين الأشياء والخيال. ثقل الماضي المتراكم، المستعصي على زحزحته، تثيره الحركة المتواصلة للحاجات والرغبات الإنسانية، التي تلتقطها الكاميرا وهي تتتبع الرفوف المتراصة المعقدة كالمتاهة.

48

وكما في «ليل وضباب»، هناك ترتيبان زمنيان مدفوعان معا، وهما الحقيقة والرغبة. في المشهد الوحيد الدرامي في عمل توصيفي بالكامل باستثناء هذا المشهد، يطلب كتاب، ويحضر، ويستخرج من ضريحه إلى المجال العام المحروس. يشير رينيه إلى الانتقال من زمن إلى آخر؛ إذ تقترب عربة كتب من مكتب الإعارات. وبعد ذلك، حينما يجتاز قاعة القراءة، ترتقي المناجاة في الغنائية:

والآن يسافر الكتاب تجاه خط مثالي؛ فاصل وهمي أكثر تقريرا لوجوده من المرور عبر مرآة. لم يعد الكتاب نفسه. منذ لحظة مضت، كان جزءا من ذاكرة كونية، مجردا، محايدا ... لكن هذا الشيء الآن انتقي وميز وأصبح لا غنى عنه لقارئه.

Bilinmeyen sayfa