41
تلك الغمامة هي بالضبط ما يستخدمه رينوار في مشهد المنظار المقرب الذي ذكرناه من فيلم «قواعد اللعبة». تستخدم كريستين «كاميراه» للنظر إلى الطيور، ثم ترى زوجها مصادفة وهو «يبدو» وكأنه يحتضن خليلة له. يقف رينوار الذي يؤدي دور أوكتاف وراءها، وكهذا يبدو أنه يشجع خطأها؛ لأنها ترتكب خطأ؛ فالزوج في الحقيقة ينفصل عن عشيقته للأبد ليخلص لكريستين. هذه هي نقطة التحول في المأساة؛ حيث إن كريستين التي تصدق بسبب الدليل المادي أن زوجها يخونها، ستتخلى عن وفائها الساذج، وتدخل دوامة الإثارة الجنسية الطليقة التي تؤدي للموت والتشتت. مع ذلك، فالصورة ليست زائفة بالكامل ؛ بسبب أن الزوج كان بالفعل على علاقة بجنيفييف. والكاميرا تقدم أثرا زائفا لهذه الحقيقة.
عكس تروفو، وعكس دوفايال، جونيه ليس فنانا معذبا؛ ففي عالمه كل شيء يمكن تصويره، وكل سر غامض يمكن كشفه. بالفعل، تكون آلية الاستكشاف المتعة الرئيسية لجمالياته، وتشبه بعض الشيء مقالب أميلي العملية. تستدعي بريتودو إلى كابينة الهاتف لمحادثة تذكره بطفولته، وتشاهد ما يحدث من بين الأعمدة؛ كما تقاطع مذيع مباراة كرة قدم؛ وتنبش عن حب بين زوجين باختلاق رسالة ضائعة عمرها 20 عاما، ثم نشرها. حتى السر العميق الوحيد في الفيلم، وهو سر الشكل الشبحي في كشك التصوير، فسر في لحظة في النهاية، لكن بعد أن ترتب أميلي بالتفصيل مكيدة لتجبر نينو على مواجهة مصدر الصور التي تطارده. لا يكتشف نينو طيفا ولكن ساحر أوز - سيد الجهاز - وهو العامل في كشك التصوير.
أفهم أن رجل كشك التصوير هو جونيه نفسه، صانع أفلام يلصق جنبا إلى جنب صورا متسلسلة لممثلين في أوضاع مختلفة أمام الكاميرا (24 وضعا للدقة) إلى أن يبدو أنهم يتحركون. أما الألبوم الذي يحتفظ بهذه الصور - وهو الألبوم الذي يؤدي ضياعه ثم استعادته إلى قصة الحب - فهو بداية الفيلم ونهايته. ولكونه لوحة مشاهد وملفا لوكيل اختيار الممثلين، فإن هذا الألبوم يعود في شارة نهاية الفيلم مؤكدا في النهاية سلامة الفكرة الأصلية. إجمالا، فإن فيلم «المصير الخرافي لأميلي بولان» مشمول في الألبوم من البداية للنهاية. ذكرت مقالة افتتاحية في دورية «كاييه دو سينما» بخبث أن كل لقطة محرومة من أدنى تناقض.
42
بطريقة ما، تحرك سينما جونيه صور الدعاية الثابتة التي تكون لوحة مشاهده.
43
مثل الأب توليب في فيلم «المليون» («لو مليون»، 1931)، أو مثل جودوشو في فيلم «المغنية»، دوفايال قوي وخير ومراقب ذو عين ثاقبة، وقادر على وضع الأمور في موضعها الصحيح. تختبر أفلام ثلاثة براعة مخرجيها في مشاهد رئيسية تتضمن فعل الهروب. في «المليون»، يرتب رينيه كلير مأساة صراع على مسرح الأوبرا من أجل معطف يحتوي على تذكرة يانصيب. أما في «المغنية»، فإن بينيكس يقدم جولة بالدراجة النارية بأقصى سرعة خلال شوارع باريس ثم تحت سطح المدينة في أنفاق المترو. وأما أميلي فتتسلق سيارة على قضبان في حديقة ملاهي حيث يعمل نينو في الكواليس. هذه اللعبة الجذابة رمز لأساليب السينما ومباهجها. تنقل أميلي، المشاهدة التي دفعت ثمن التذكرة، إلى عالم مصنوع من أجل تسليتها وإثارة خوفها ودهشتها. يدفع سرد بسيط حرفيا التماثيل البلاستيكية أو الشمعية التي تقابلها أميلي في كل منعطف؛ تمد أيديها نحوها مهددة إياها في تتابع للمؤثرات الخاصة مؤقت بدقة. ثم يقفز نينو الحقيقي على مؤخرة سيارتها ليمنحها ما يعتبر أكثر المواقف إثارة في حياتها. في نهاية الفيلم، يجلس نينو في مقعد القائد على دراجته النارية، بينما تبتسم أميلي، سعيدة بأنها وضعت أخيرا في قصة شخص آخر، متجولة في باريس مليئة بأقدار أخرى رائعة.
ومثل الحجر الذي ترميه أميلي ليقفز على سطح مياه قناة سان مارتان، فإنها تقفز في خفة فوق سطح باريس. على العكس من ذلك، وكما تشير آن جيليان بذكاء، كان من شأن أنطوان دوانيل في «الأربعمائة ضربة» أن يدخل في جسم باريس المظلم، والدته الحقيقية، حينما يدفع زجاجة الحليب الفارغة التي سرقها داخل مجرور، ويستمع إليها وهي تتحطم تحت الشوارع في أحشاء المدينة أو رحمها.
44
Bilinmeyen sayfa