تنافس الصور في العصر الحالي
على الرغم مما كان يظن حتى الآن، فإن الخط الجمالي الذي قدمته نظرية بازان، وفصله سيرج داني بعد ظهور الموجة الجديدة يبرز الأثر والتأخر، لا المشهد والحضور. يعمل ما أسميته «نهج كاييه» عمل ممر رئيسي إلى هذا المبدأ الجمالي، مع أنه يكاد يكون طريقا مفردا. يمكنكم أن تروه في ميول تلك الدورية؛ حيث ناصرت في الثمانينيات والتسعينيات، على سبيل المثال، أفلام عباس كيارستامي ذات النزعة الاختزالية، بينما كانت «سينما المظهر» الرائجة محل ارتياب على الفور. قاد داني اتجاها مضادا لهذه السينما في مراجعات لاذعة استهدفت صور جان جاك بينيكس، وجون-جاك أنو، ولوك بوسون. تغمر نرجسية عميقة فيلم «الأزرق الكبير» («ذا بيج بلو»، «لو جراند بلو»؛ بوسون، 1988) حيث يعرض الفيلم حلما أنويا بعدسة مقياس 70 مليمترا، ينغمر فيه المشاهد المتصلب لساعات في المعادل السينمائي للسائل السلوي المحيط بالجنين، لكنه لا يواجه شيئا. أما فيلم «الدب» («ذا بير»، «لور»؛ أنو، 1988) فهو يطرد التفاعل البشري تماما، متجنبا أي «مكافأة للوعي» من جانب صانع الفيلم أو المشاهد. تمتع «سينما المظهر» مشاهدها بصورة مليئة عن آخرها بالمتعة الذاتية.
تفجر عداء داني في مراجعة لفيلم أنو «الحبيب» («ذا لفر»، «لامو»، 1992، المقتبس من رواية مارجريت دوراس). قدمته هذه الإدانة البارعة في وقت متأخر لقراء الإنجليزية؛ حيث نشرت ترجمتها في مجلة «سايت أند ساوند» عقب موته.
35
أشار داني إلى أن «الحبيب» تلفيق بصري، وتقديم توكيدي للذات لرؤى وأجسام يمكن إدراكها (السلع التي يعرضها الفيلم ويتحول إليها في حقيقة الأمر). بدلا من ذلك، ينبغي أن تستخدم السينما الغياب الخلاق في قلب الصورة لسبر أغوار الرواية والواقع. السينما التي يهتم لأمرها تحث المشاهد ليضع نفسه خلف الصورة، ويتخذ موقفا تجاه الواقع الذي تستحضره الصورة لكنه لا يتحقق أبدا. «الحبيب» فيلم عن المؤثر المرئي. كل لقطة تخطو قدما بمفردها، مقدمة نفسها مثل سلعة استهلاكية على لوحة إعلانات. يسأل داني: كيف يمكن لمثل هذه الأفلام أن تتصل باللقطات المجاورة، أو توحي بها، وهي تعرض وكأنها مكتفية بذاتها؟ هذه سينما بلا نوافذ؛ حيث يكون كل شيء يظهر هو ما نريد رؤيته (أو رأيناه بالفعل)؛ نسخة تليفزيونية من السينما، نهنئ فيها أنفسنا بإدراك ما هو مألوف بالفعل، العالم المرئي الذي يحيطنا ويطمئننا. يلحظ داني ببديهة رائعة اضمحلال دور الشخصيات الثانوية في السينما الفرنسية منذ ظهور «الموجة الجديدة». مثل هذه الشخصيات كانت تستخدم للطفو كالسحاب على الشاشة كما ذكر. حتى حينما كانت أعيننا مثبتة على النجوم، كنا نستطيع رؤية الحركة المستقلة للشخصيات الثانوية وهي تدخل إطار رؤيتنا ثم تخرج من الصورة. أما اليوم فإن ظهرت هذه الشخصيات تكن مقيدة بأداء وظيفة ما.
مات داني في وقت أبكر مما كان يمكن أن يجعله يخوض الجدل عن فيلم «أميلي»، لكن يمكننا التأكد من أنه لو كان حيا لأشار إلى التوزيع الصارم لكل شخصية، سواء أكانت رئيسية أم ثانوية، وكذلك السحب المثبتة حرفيا لكي تأخذ الأشكال الجديرة بالمعانقة والاحتضان من أجل إمتاعنا. في «أميلي»، نظام العالم بأكمله - الإنسان، والحيوان، والطبيعة - نظم من أجل راحتنا. وبقدر ما يمكن أن يكون ممتعا، حافلا بتاريخ الفن، والرموز السينمائية التخيلية، صنع «أميلي» لتملقنا. في مقدمة الفيلم، تتودد لنا أميلي واصفة نفسها بأنها مشاهدة أفلام ثاقبة النظر، وهي تهمس من مقعدها في دار عرض سينمائي: «أحب أن ألحظ التفاصيل التي لا يلحظها أي شخص آخر.» ولإثبات هذا، تحدد مصادفة حدثت في لقطة شهيرة من فيلم تروفو «جول وجيم» (1962)؛ حشرة ظهرت أمام الكاميرا بشكل ما وهي تزحف على زجاج في المستوى الخلفي للقطة، متجهة مباشرة تجاه فم جين مورو المثير المفتوح ليتلقى قبلة جيم الحانية. فاجأ تروفو الحشرة، أو للدقة فإن الحشرة هي التي فاجأت تروفو. سألت المصور السينمائي للفيلم، راءول كوتار، حول هذه «الغلطة»، فزعم أنها نتيجة عرضية لمعجزة اتحدت فيها الطبيعة (ضوء صبح جميل ورائع وغير متوقع) مع الخيال.
36
وأثناء عمله بسرعة قبل خفوت الضوء، صور كوتار العاشقين في صورة مظللة، لتدخل الحشرة اللقطة بشكل غير مخطط له. كانت اللقطة معبرة لدرجة جعلت تروفو لا يفكر في إعادتها. هذا هو نوع الصدف التي حلم بها السرياليون.
مثل أميلي، اعتاد السرياليون مسح الشاشة بأعينهم للبحث عن تفاصيل غير مرئية حتى للمخرج، ممارسين ما سماه كريستيان كيثلي «الإدراك البانورامي».
37
Bilinmeyen sayfa