وأما هذه الصورة فالعشق الغريزي فيها ظاهر لوجهين؛ أحدهما: بالجد في ملازمتها موضوعها ومنافاتها انسلاخها عنه، والثاني: بالجد في ملازمتها كمالاتها ومواضعها الطبيعية متى حصلت فيها، وحركتها الشوقية إليها متى باينتها كصور الأجسام البسيطة الخمسة والمركبات عن الأربعة، ولا صورة ملازمة غير هذه الأقسام الستة.
وأما الأعراض فعشقها ظاهر بالجد في ملازمة الموضوع أيضا، وذلك بين عند ملابستها الأضداد في الاستبدال بالموضوع.
فإذن ليس يعرى شيء من هذه البسائط عن عشق غريزي في طباعه.
الفصل الثالث
في وجود العشق في الصورة النباتية (أعني النفوس النباتية)
فلنختصر القول ها هنا، فنقول كما أن النفوس النباتية تنقسم إلى أقسام ثلاثة؛ أحدها: قوة التغذية، والثاني: قوة التنمية، والثالث: قوة التوليد، كذلك العشق الخاص بالقوة النباتية على أقسام ثلاثة؛ أحدها: يختص بالقوة المغذية، وهو مبدأ قوة شوقها إلى حضور الغذاء عند حاجة المادة إليها، وبقائها في المغتذى بعد استحالته إلى طبيعته، والثاني: يختص بالقوة المنمية، وهو مبدأ شوقها إلى تحصيل الزيادة الطبيعية المناسبة في أقطار المغتذى، والثالث: يختص بالقوة المولدة، وهو مبدأ شوقها إلى تهيئة مبدأ الكائن مثل الذي هو فيه، ومن البين أن هذه القوى مهما وجدت لزمتها هذه الطبائع العشقية، وإذن هي في طبائعها عاشقة أيضا.
الفصل الرابع
في ذكر عشق النفس الحيوانية
لا شك أن كل واحد من قوى النفس الحيوانية يختص بتصرف يحثها عليه عشق غريزي، وإلا لما كان وجودها في البدن الحيواني إلا معدودا في جملة المعطلات، إن لم يكن لها نفور طبيعي مبدؤه بغضة غريزية، وتوقان غريزي مبدؤه عشق غريزي، وذلك ظاهر في كل واحد من أقسامها، أما في الجزء الحاس منها خارجا فلإلفها بعض المحسوسات دون بعض، واستكراهه بعضها دون بعض، ولولا ذلك لتساوت العوارض الحسية على الحيوانات، ولما تصونت عن مباشرة المضرات لها، ولتعطلت القوة الحسية في حقيقتها، وأما الجزء الحاس باطنا فلاطمئنانه إلى الراحة إلى التخيلات المروحة وما ضاهاها إذا وجدت، وتشوقه إليها إذا فقدت، وأما في الجزء الغضبي فلنزاعه إلى الانتقام والتغلب والفرار من الذل والاستكانة وما ضارع ذلك.
وأما في الجزء الشهواني فلتقدم أمامه مقدمة ينتفع بها بذاتها، وفيما يبنى عليه القول في الفصول، وهو أن العشق ينشعب قسمين؛ أحدهما: طبيعي وحامله لا ينتهي بذاته دون غرضه بحال من الأحوال، ما لم يصادمه دونه قاسر خارجي كالحجر، فإنه لا يمكن أبدا أن يقصر عن تحصيل غايته وهو الاتصال بموضعه الطبيعي والسكون فيه من ذاته، اللهم إلا من جهة عارض قهري، وكالقوة المغذية وسائر القوى النباتية، فإنها لا تزال مزاولة لجلب الغذاء ولتلحيمه بالبدن ما لم يصدها عنه مانع غريب، والثاني: عشق اختياري وحامله قد يعرض بذاته عن معشوق لتخيل استضرار بعارض أمامه يربي قدر ضرره على نفع المعشوق، مثل الحمار، فإنه إذا لاح له شخص ذئب متوجها نحوه أقصر عن قضم الشعير وأمعن في الهرب لتخيله أن ما يتصل به من ضرر العارض أرجح من منفعة المعرض عنه، ثم قد يكون المعشوق الواحد لعاشقين أحدهما طبيعي العشق والثاني اختياري، مثل الغرض بالتوليد إذا تدبر إضافة إلى القوة المولدة النباتية وإلى القوة الشهوانية الحيوانية.
Bilinmeyen sayfa