3
ويقول عضو ثان: «إن الأهم هو تصدي المصريين بقيادة قلاوون للمغول وهزيمتهم لهم في معركة حمص عام 1281 للميلاد»، ويرد صاحبه بأن البحث قد بين بشكل جيد عناية سلطان مصر بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلاده وبين أوروبا، ويذكر زميله أن السلطان قلاوون هو الذي ابتكر نظام الجوازات «الباسبورتات»، فقد كان يعطيها للتجار موصيا بأن يدخلوا بلاد مصر والشام بأمان، وبأن يمروا بالبلاد التي يدخلونها في المشرقين الأدنى والأقصى حتى الهند في رعاية سلطان مصر سالمين. •••
وعندما يعود طه حسين من بروكسل إلى القاهرة يذهب لمقابلة مدير الجامعة حسين رشدي باشا، ثم لمقابلة وكيل الجامعة أحمد لطفي السيد بك، وهما يهنئانه لتوفيقه في البحث الذي قدمه إلى المؤتمر والذي شرف الجامعة حقيقة.
ويتحدث طه حسين مع مدير ووكيل الجامعة عن اهتمام الملك ألبير والملكة إليزابيث بالمؤتمر وموضوعاته وعن معاملتهما لأعضائه في بساطة وإحساس بأن الملك لا يقوم على القهر، بل على مودة الناس وتقبلهم لملكهم وملكتهم، ويذكر لهما كيف كان إعجاب أعضاء المؤتمر بمصر القديمة مقترنا بإعجاب مماثل بمصر الحديثة ونهضتها، وبما حققته بجهادها من الاستقلال واشتراكها في المؤتمر باعتبارها دولة مستقلة بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922، وإعجابهم أيضا بالنهضة التي يمثلها وجود الجامعة المصرية.
وفيما يخص أعمال المؤتمر يشير طه حسين إلى اقتراح أقرته لجنة من لجانه، مضمونه أن الوثائق القومية لبلد من البلاد - سواء الوثائق الإدارية أو السياسية أو الفنية أو العلمية - هي حق من حقوق هذا البلد لا يصح أن يعتدي عليه معتد بحكم الفتح أو بأي سبب آخر
4
ويتساءل طه حسين، في شك شديد: «هل يمكن تنفيذ مثل هذا القرار؟» ويضيف: «كم يكون نفعه لو نفذ لبلادنا التي نقل الغزاة منها إلى بلادهم ما نقلوا من الوثائق والمخطوطات والآثار!» ويشير طه حسين إلى ما كان واضحا في المؤتمر من إتقان بعض المؤرخين الأجانب للغات الإسلامية غير العربية مثل الفارسية والتركية، وانتفاعهم بها في بحوثهم التاريخية التي تتعلق بحضاراتنا نحن، ويرى الأستاذ ضرورة قيام الجامعة والأزهر بتدريس هذه اللغات للرجوع إلى ما كتب فيها من المصادر التي لا يمكن إهمالها وللاتصال بالشعوب التي تتحدث بها، ويشير كذلك إلى عناية علماء المؤتمر بمناهج البحث ويدعو إلى أن توجه إليها الجامعة المصرية عناية كبيرة، ثم ينتقل الحديث إلى مصادر تاريخنا العربية، فيذكر أن كتاب «صبح الأعشى» - وهو الكتاب الذي عثر فيه على النص العربي لمعاهدة قلاوون - مطبوع طبعة غير دقيقة وغير علمية، ويتمنى أن تقوم الجامعة بطبع هذا الكتاب الهام في دراسة علاقات مصر الدولية، وطبع أمثاله طبعا علميا، مع إعداد ما يلزم لهذا الطبع العلمي من فهارس وتعليقات، وذلك في مطبعة خاصة بالجامعة يتمنى أيضا لو أمكن إنشاؤها قبل زمن طويل.
ويرد لطفي السيد قائلا: «إننا نحتاج إلى المال، إن جامعتنا تبذل أقصى جهدها في حدود ما يتيحه لها مالها المحدود، على أنها تعتمد أكثر ما تعتمد على تبرعات أهل الخير وهذا غير كاف، إننا نريد أن نستعين بخير الأساتذة، ونريد أن نضع في متناولهم ومتناول طلابهم أحدث المراجع، وأن نصلهم، عن طريق الإرساليات وعن طريق المؤتمرات، بالحياة العلمية في الجامعات والمعاهد الأجنبية، ولكن الميزانية لا تتسع حتى لالتزاماتنا الحالية، وقد كان لذلك أثره على أعضاء مجلس الإدارة، وأخشى أن يكون للخلاف الذي وقع بينهم نتيجة لذلك عواقب بالغة السوء.» •••
يتذكر طه حسين كيف عانت الجامعة ماليا في الماضي، وكيف أثرت هذه المعاناة فيه شخصيا حين هددت دراسته في أوروبا، ويذكر أن الجامعة قد لجأت أخيرا إلى الاقتصاد المخل، ويتساءل: «لماذا لا تعيننا الحكومة وقد استقلت مصر وتخلصنا من معارضة الإنجليز لقيام الجامعة وتقدمها؟» ولطفي السيد يقول: «إن الحكومة لا تعيننا كما يلزم، بل إنها لا تعترف بشهادات الجامعة حتى الآن، وهذه عقبة ضخمة أمام متخرجينا، وقد تمت اتصالات مع الملك فؤاد - الذي كان يهتم حين كان أميرا بشئون الجامعة اهتماما كبيرا - ومع الحكومة، فقيل لنا إن حكومة جلالة الملك تفكر في إنشاء جامعة تابعة لها سيكون فيها بطبيعة الحال كلية للآداب، ولم تنتج اتصالاتنا شيئا إيجابيا من شأنه مساعدة جامعتنا وإتاحة الموارد اللازمة لها حتى الآن.»
ويذكر طه حسين أن زكي باشا أبو السعود - وزير المعارف في ذلك الوقت - رجل مستنير، ويستأذن في أن يزوره ليعرف مدى استعداده واستعداد الحكومة لمساعدة الجامعة، ولا يعارض الوكيل ولا المدير.
Bilinmeyen sayfa