وعندما يمسك طه بيدي زوجته ويسمعها تهمس سعيدة «إنه ولد» يرد عليها: إذن هو «مؤنس». وتقرب المولود منه وقد انتهى القلق والخوف، وهما ينتبهان إلى الصغيرة التي دخلت الغرفة تبتسم وهي تحس بأبويها سعيدين، وتتطلع في شغف إلى رؤية المولود.
الوالد يحمل ولده في الشهر الثالث من عمره بين ذراعيه، يسير به ينشده قصائد من الشعر العربي القديم، ولكنه مضطر إلى أن يعيده إلى والدته أسفا لأن الشيخ مصطفى عبد الرازق قد حضر للزيارة.
إن الأخبار الواردة من لندن تفيد بأن وزير الخارجية اللورد كيرزون قدم لعدلي باشا مشروعا لا يمكن قبوله، وإن عدلي باشا رفض المشروع فعلا، وإنه يعود الآن إلى مصر، وسيقدم استقالته للسلطان بمجرد وصوله إليها.
وبريطانيا تقرر - بناء على نصح مندوبها السامي في مصر الفيلد مارشال لورد اللنبي - استعمال أقصى الشدة مع أهل البلاد. يقوم المندوب السامي بإبلاغ السلطان أن مصر واقعة على خط المواصلات الرئيسي بين بريطانيا وممتلكات جلالة الملك في الشرق، ولذلك فإن جميع الأراضي المصرية ضرورية لهذه المواصلات!
ويرسل الإنجليز إلى سعد باشا زغلول وإلى أعضاء الوفد المصري أمرا كتابيا بعدم الاشتغال بالسياسة بتاتا وبالذهاب إلى بلادهم والبقاء فيها تحت رقابة مدير كل مديرية.
ويرد سعد باشا في 21 ديسمبر 1921 قائلا: «سأبقى في مركزي مخلصا لواجبي، وللقوة أن تفعل بنا ما تشاء أفرادا وجماعات.» ويرد بقية أعضاء الوفد برد مماثل.
وفي 23 ديسمبر 1921 تقبض قوة عسكرية بريطانية على سعد وزملائه فتح الله بركات ومصطفى النحاس وسينوت حنا وعاطف بركات ومكرم عبيد، وتأخذهم، عن طريق السويس، بحرا إلى منفاهم في جزيرة سيشل في المحيط الهندي.
وفي نفس اليوم يكتب عدلي باشا يكن للسلطان معلنا أن وزارته كانت قد استقالت بمجرد رجوعه من لندن في شهر نوفمبر بعد فشل المفاوضات، وهو يرى من الضروري أن يعلن تلك الاستقالة لأنه لا يريد أن يتحمل تبعة إجراءات لا علم له بها.
أقدام عساكر الاحتلال هي وحدها التي تسمع في ليل القاهرة.
الطفلان نائمان، والهدوء يسود «الشقة»، والوالدان يجلسان في جانب منها، تقرأ السيدة سوزان بعض الصحف التي وردت من الخارج، ثم تقرأ بعد ذلك على الأستاذ صفحات من كتاب «المأدبة» لأفلاطون، فهو مشغول بذلك الفيلسوف لأنه الآن موضوع محاضراته عن قادة الفكر. وتتوقف سوزان عند هذه السطور:
Bilinmeyen sayfa