Martin Luther: Çok Kısa Bir Giriş
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Türler
يبدو أن التقوى كانت دافعا حاسما قاد لوثر إلى هذه النقلة المفاجئة؛ فعندما شارف على الوصول إلى مدينة إيرفورت عند عودته، أفزعته عاصفة عاتية إلى حد أنه أقسم على أن يصبح راهبا إن نجا سالما. ولكن لكي يقطع على نفسه هذا العهد الذي قد يغير حياته كلها - حتى في مواجهة الموت - لا بد أن لوثر كان له مآخذ على الاشتغال بالقانون، وأنه درس احتمال أن يهب حياته للدين بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ أن يهبها للدير. كما أن الدين كان يحيط به في كل مكان عاش فيه وتعلم فيه، ولا سيما في مدينة ماجديبورج وآيزيناخ وفي مدينة إيرفورت التي امتلأت بالكنائس والأديرة ومجالس رجال الدين. وكان بمقدوره أن يدرس علم اللاهوت دون أن يصبح راهبا، لكنه لم يسع إلى تغيير مسار دراسته، بل إلى حياة مختلفة.
شكل 2-1: لوثر كراهب، بريشة لوكاس كراناش، 1520.
عندما تأمل لوثر هذا القرار بعد أربعين عاما، تذكر أنه عاش حياة راهب مستقيمة دون تأنيب، لكنه ظل يشعر أمام الرب بأنه «كان آثما مؤرق الضمير إلى أقصى حد»، وقد كرر رأيه هذا عن الستة عشر عاما التي قضاها كراهب؛ فقد حاول أن يكون مثالا للراهب ، لكن ضميره لم يهدأ قط، رغم طمأنة معلمه يوهان فون شتاوبيتس له؛ النائب الأسقفي العام للمتشددين للمذهب الأوغسطيني في ألمانيا. لكن قلقه - رغم ذلك - لم يمنعه من الترقي في المناصب الكنسية؛ فبعد إتمامه فترة الإعداد للرهبنة وإعلان نذوره، درس ليصبح قسيسا، ووسم قسا في 3 من أبريل عام 1507 بعد أقل من عامين من التحاقه بالدرجة الكهنوتية، وبعدها بشهر احتفل بقداس العشاء الرباني للمرة الأولى في حياته؛ فقدم والده هانز لوثر إلى الحفل مع عشرين فردا من أصدقائه وأقاربه، وقدم هدية سخية إلى الدير، رغم أنه لم يكن قد تناسى تماما الإحباط الذي سببه له قرار لوثر بأن يصبح راهبا. أكد لوثر أثناء محادثته مع والده أنه لم يقسم طواعية على أن يصبح راهبا، وإنما أجبرته على ذلك ظروف عصيبة؛ إذ تشكك والده في أنه يعاني وهما، وذكره بوصية طاعة الوالد، في هذا أشار لوثر عندما تذكر هذا اللقاء مع والده أن كلمات والده تلك كانت أكثر كلمات آلمته ولازمته لوقت طويل.
بدأ لوثر بعد أن أصبح قسا في دراسته لعلوم الدين التي استمرت - بمقاطعات تخللتها - حتى عام 1512، الذي منح فيه لوثر درجة الدكتوراه، وخلف شتاوبيتس كأستاذ علم اللاهوت في جامعة فيتنبرج الجديدة. كان لأتباع المذهب الأوغسطيني في إيرفورت مدارس بمعلمين تابعين للجامعة، ومع أن لوثر كان قد أصبح بالفعل أستاذا بالجامعة تعين عليه الوفاء بمتطلبات منهج علم لاهوت تحكمه الفلسفة المدرسية أو السكولاتية؛ التي أسميت بذلك الاسم لاستخدامها في المدارس والجامعات. أطلق على هذا المقرر الثابت للجامعة - الذي أعده بيتر لومبارد في القرن الثاني عشر - «الأحكام»؛ لأنه بني على التصريحات العقائدية التي استقى منها لومبارد حججه من المراجع القديمة كمذهب أوغسطين، وقد تعين على جميع حاملي درجة الدكتوراه في علم اللاهوت إلقاء المحاضرات عن هذه الأحكام التي خضع الكثير منها للمراجعة وتم تداولها كتفاسير. وفي القرن الثالث عشر، كان توما الإقويني قد ألقى في شبابه هذه المحاضرات، ودرس لوثر فيما بعد تفسير الأحكام لجابريال بيل، وهو عضو بجمعية أخوة الحياة المشتركة ، درس علم اللاهوت في جامعة توبنجن وعاصره لوثر في طفولته. أسمي مذهب بيل بالمذهب الإسماني أو الأوكامي نسبة إلى الراهب الفرنسيسكاني الإنجليزي ويليام الأوكامي، الذي اعتنق لوثر مذهبه فيما بعد كما أقر؛ أسوة بمعلمه الأول في إيرفورت الذي تدرب على هذا المذهب.
أكد علماء اللاهوت من أتباع المذهب الأوكامي - بعكس توما الإقويني - أن الإيمان والعقيدة يعتمدان على إلهام الكتاب المقدس أكثر مما يعتمدان على المنطق والمعرفة الطبيعية. وعلى الرغم من أنهم فصلوا فصلا بينا بين الفلسفة وعلم اللاهوت، فقد أيدوا دراسة أعمال أرسطو التي أتمها لوثر في وقت سابق مع دراسة الإنجيل. ومن ثم، كان لوثر قادرا وراغبا في إلقاء محاضرات حول كتاب أرسطو «علم الأخلاق» والإنجيل وكتاب لومبارد «الأحكام». وألقيت في جامعة فيتنبرج المحاضرات عن أرسطو عام 1508 و1509؛ حيث عمل لوثر بأمر من شتاوبيتس كبديل مؤقت في أول منصبين خصصا لأتباع المذهب الأوغسطيني؛ محاضر فلسفة وأستاذ في علم اللاهوت. وظل لوثر في فيتنبرج لعام قبل أن يعود إلى الدير الأوغسطيني في إيرفورت ويلقي محاضراته عن «الأحكام». وفي أواخر عام 1510 قاطع هذه المحاضرات بالقيام بالرحلة الأهم في حياته؛ رحلته إلى روما التي قام بها ليقدم طلبا نيابة عن أتباع المذهب الأوغسطيني المتشدد.
رفض طلبه لكن روما خلفت انطباعا عميقا على هذا الراهب الشاب الجاد الذي لم يكن يعلم شيئا عن أمور العالم - كما أقر هو فيما بعد. بث فيه ما رآه في هذه المدينة المقدسة والبلدات الواقعة على الطريق إليها الرهبة والاستياء، حتى إنه وصف «زيارته إلى روما» بعد عشرين عاما، كما بدت له من منظور إصلاحي، فأطلق على نفسه «القديس المتشدد الذي اندفع بين الكنائس وسراديبها مصدقا كل مظاهر الكذب والتزييف البغيضة بتلك الأماكن». فقد أسف في ذلك الوقت؛ لأن والديه كانا لا يزالان على قيد الحياة؛ إذ اعتقد أن صلوات القداس في روما - شأنها شأن صكوك الغفران التي تقدم هناك - قادرة على تخليصهم من آثامهم. فقد شاع في روما مثل قائل: «بوركت الأم التي يقرأ ولدها القداس يوم السبت في سانت جونز.» عن ذلك قال لوثر: «كنت أود أن أبارك أمي، لكن المكان كان مزدحما للغاية فلم أستطع الدخول؛ فتناولت سمك الرنجة المدخن بدلا من ذلك.» رغم هذه النبرة المتطاولة، تنم كلمات لوثر عن صدق تقوى الرهبان التي تمتع بها وإحساسه بالواجب، وهو الصدق الذي تمتع به في وصفه لذاته قبل حركة الإصلاح الديني ك «كاثوليكي متحمس» متشرب بأفكار الرهبنة.
في أواخر عام 1511 نقل لوثر إلى الدير الأوغسطيني في فيتنبرج، حيث أقام لما تبقى من حياته كراهب في البداية ثم كزوج وأب، وعين في العام التالي أستاذ جامعة، وهو المنصب الوحيد الذي تقاضى فيه راتبا ثابتا، حيث أقنعه شتاوبيتس بالسعي للحصول على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت، ووافق ناخب ساكسونيا على دفع المصروفات المتعلقة بذلك. كان الحصول على الدكتوراه إجراء شكليا كلل دراسته لعلم اللاهوت، وضمن تمتعه في فيتنبرج بالمزايا التي يحصل عليها أستاذ الجامعة في إيرفورت. أشرف الأستاذ آندرو بودينشتاين - الذي لقب بكارلشتادت؛ نسبة إلى البلدة التي ينحدر منها - على القسم الذي تعهد فيه لوثر بألا يدرس أي شيء تدينه الكنيسة ويؤذي أسماع المتقين. وبالإضافة إلى بريتة أخرى وخاتم إصبع آخر، منح لوثر كتاب إنجيل مفتوح وإنجيل مغلق. وتخلى شتاوبيتس عن منصبه بالكلية، كما كان مخططا، ليخلفه لوثر في منصب أستاذ علم اللاهوت. وكانت وتيرة الأحداث المتسارعة تلك هي أفضل دفاع للوثر أمام الاتهامات التي زعمت أنه لا يملك الحق لاعتناق الآراء التي آمن بها، فقد رأى لوثر أنه ملزم كأستاذ لعلم اللاهوت أدلى بقسمه علانية بأن يدرس ما يجده في الإنجيل، حتى إن خالف تعاليم الكنيسة الكاثوليكية وممارساتها. وهكذا أعد شتاوبيتس، دون علم، لوثر لبدء حركة إصلاح لم يستطع أن يحمل نفسه على الانضمام إليها.
في أول مقرر درسه لوثر، اختار أحد أسفار الإنجيل التي كانت تسمع وتنشد يوميا بالدير، والتي حفظها عن ظهر قلب تقريبا، ألا وهو سفر المزامير؛ لكن لأنه درسه آية آية - كما فعل أسلافه بالعصور الوسطى - لم ينه المقرر إلا بعد حلول عام 1515. وبعدها خصص عاما لتدريس كل رسالة من رسائل العهد الجديد؛ الرسالة إلى أهل رومية، والرسالة إلى أهل غلاطية، والرسالة الإنجيلية إلى العبرانيين، لتنتهي هذه المقررات عام 1518، الذي كان أول عام يشهد على مداره جدلا حول صكوك الغفران؛ مما أضاف إلى مهامه المزيد من الرحلات والكتابات. ولعله قرر إلقاء المحاضرات عن كتاب المزامير مجددا لهذا السبب، أو لأنه كان أكثر استعدادا لتدريسه هذه المرة، كما قال، غير أنه لم يتم المقرر قط، وبحلول الوقت الذي غادر فيه فيتنبرج متجها إلى مدينة فورمس في أبريل عام 1521، لم يكن قد وصل إلا إلى المزمور الثاني والعشرين، فقد تولى مسئوليات أخرى في المجتمع الكنسي، بالإضافة إلى إلقاء المحاضرات في الجامعة، حتى إن لوثر شكا لصديقه وأخيه في المذهب الأوغسطيني جون لانج انشغاله الشديد بكتابة الرسائل، وإلقاء العظات، والإشراف على دراسة الرهبان الآخرين، وإلقاء المحاضرات عن الحواري بولس، وزيارة الدور الأوغسطينية، بصفته راعي الأبرشية المحلي لها.
وفوق ذلك، كان لوثر يعد أطروحات للنقاش في الجامعة، تكونت مجموعة منها من ثمان وتسعين أطروحة انتقدت المذهب المدرسي أو السكولاتي، الذي انتقل إليه من معلميه من أتباع المذهب الإسماني وجابريال بيل. كان هذا النقاش العقائدي في منظور السواد الأعظم - بما في ذلك رجال الدين الأعلى مقاما - أكاديميا ومن ثم محمودا، وهذا على عكس مجموعة الأطروحات الثانية التي كتبها لوثر أيضا باللاتينية، وعلقت على الأرجح على باب كنيسة جميع القديسين في فيتنبرج في 31 من أكتوبر عام 1517. ولو أن هذه الأطروحات - المكونة من خمس وتسعين أطروحة عن قدرة صكوك الغفران - قد نشرت ذاك اليوم، عشية يوم عيد جميع القديسين، لاستقبلت الحشود التي حضرت العرض المهيب لآثار الأمير فريدريك الحكيم؛ أملا في نيل صكوك الغفران التي ستختصر إقامتهم في المطهر.
روج أيضا لصكوك الغفران على أنها ضمان بغفران الخطايا، رغم أنها كانت تغني وحسب عن العقوبات المفروضة على الخطايا (الكفارة) بعد الاعتراف بالخطايا للقس. أكد لوثر بعدها بأعوام أنه لم يحسب قط أنه سيمضي إلى الحد الذي ذهب إليه ، فيقول: «لم أعقد العزم إلا على مهاجمة صكوك الغفران، ولو أخبرت في مجلس فورمس بأنه سيكون لي في غضون بضعة أعوام زوجة ومنزل خاص بي، لما صدقت ذلك.» في الواقع، لم تهاجم أطروحات لوثر الخمس والتسعين الدعاة لصكوك الغفران وحسب، بل هاجمت أيضا بابا الكنيسة الرومانية لسماحه بمنح هذه الصكوك نظير أموال رصدت لتشييد كاتدرائية سانت بيتر الجديدة في روما، وقد اتسمت بعض هذه الأطروحات بالجرأة؛ فكتب لوثر أنه «من الغرور الثقة في نيل الخلاص بصكوك الغفران، حتى إن وهب البابا روحه ضمانة لذلك». وتساءل لم لا يشيد البابا الكاتدرائية بأمواله الخاصة بدلا من أموال المسيحيين الفقراء؟ فكان يجب أن يعلم المسيحي أن إخراج الصدقات للفقراء والمحتاجين خير من شراء صكوك الغفران.
Bilinmeyen sayfa