Martin Luther: Çok Kısa Bir Giriş
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Türler
اقترب لوثر من تفسير السبب الذي جعله - بعكس أسلافه - يطلق حركة الإصلاح الديني عندما قال إن كتابات هس هاجمت صكوك الغفران قبل أن يحين الأوان لذلك. ويشير نصب مدينة فورمس التذكاري إلى السبب الذي جعل الأوان مناسبا لذلك عام 1517، عندما أطلقت أطروحات لوثر الخمس والتسعون عن قوة صكوك الغفران - وهي نص لاتيني أعد للمناظرة الأكاديمية - حركة دينية مدعومة سياسيا لا يمكن احتواؤها. حملت الأركان الأمامية لقاعدة النصب اسمي أبرز زعيمين سياسيين للحركة البروتستانتية الألمانية، وهما: فيليب حاكم هيسي، وفريدريك الثالث الأمير المختار لساكسونيا الملقب بالحكيم؛ فدون حماية الأمير فريدريك وورثته، لما أمكن للوثر أن يفلت من المرسوم الذي صدر ضده وضد أتباعه في فورمس، ودون النفوذ العسكري والسياسي الذي تمتع به فيليب - المناصر للحركة البروتستانتية من بدايتها - لما أمكن للبروتستانتيين صد محاولات الإمبراطور شارل الخامس لعرقلة حركة الإصلاح الديني. يحمل النصب أيضا رموزا لثلاث مدن ألمانية، هي: ماجديبورج، وشباير، وأوجسبورج. ليرمز للدور الحاسم الذي لعبته مدن الإمبراطورية الألمانية الحرة التي تبنت حركة الإصلاح الديني ودعمتها بثبات. ففي أوجسبورج عام 1530 نشر اللوثريون دفاعا عن عقيدتهم فيما صار يعرف باسم «إقرار أوجسبورج»، لكن الإمبراطور شارل الخامس رفض قبول الإقرار. مع ذلك، في عام 1555، منح البروتستانتيون الألمان الذين والوا الإقرار وضعا شرعيا في الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وتخلى شارل الخامس عن حملته ضدهم.
أما الأركان الخلفية لنصب مدينة فورمس فتضم تمثالا لفيليب ملانكتون - وهو زميل أصغر سنا للوثر، وعالم لغة إغريقية شارك في قيادة الحركة اللوثرية - وتمثالا ليوهانز ريوكلين، وهو معلم فيليب ملانكتون وعالم عبرية شهير، ويمثل الرجلان معا أثر الحركة الإنسانية الألمانية على حركة الإصلاح الديني. كان هس وويكليف بدورهما عالمين، لكنهما لم ينتفعا من حركة دراسة اللغات المكثفة والارتفاع المفاجئ في عدد المواد المطبوعة اللذين أعقبا ابتكار طباعة جوتنبرج في خمسينيات القرن الخامس عشر. درس أغلب مصلحي القرن السادس عشر العلوم الإنسانية، وأمكنهم قراءة الإنجيل باللغة العبرية والإغريقية، وبفضل علماء كإراموس من مدينة روتردام أتيحت للوثر طبعات منقحة من الإنجيل لكتاب كلاسيكيين ولرجال الدين الأوائل التابعين للكنيسة الرومانية مثل أوغسطين.
كما كانت أعمال زملائه وغيره من المصلحين ضرورية لنشر حركة الإصلاح الديني. فتصور رسوم على ميداليات على نصب مدينة فورمس التذكاري أربعة من زملاء لوثر. جون بوجنهاجن - الذي كان راعي أبرشية وأستاذا في فيتنبرج - نقل الحركة البروتستانتية إلى شمال ألمانيا والدنمارك؛ لأنه انحدر من مدينة بوميرانيا، وألم باللهجة الألمانية السفلى التي كانت مستخدمة في الشمال، واستطاع أن يضع دساتير للكنائس اللوثرية الجديدة في هذه المناطق. أما يوستوس يوناس، الذي كان زميل وصديق لوثر في فيتنبرج، فقد نقل حركة الإصلاح إلى بلدات أخرى عبر خطب الوعظ الديني التي ألقاها، وبقدرته على ترجمة اللاتينية التي كتب بها لوثر إلى الألمانية لجمهور أكبر من القراء. فيما ألقى أولريخ زفينجلي عالم الإنسانيات السويسري خطب الوعظ الديني، مستندا مباشرة إلى الإنجيل باللغة الإغريقية، وأتى إلى مدينة زيوريخ بحركة إصلاح ديني منفصلة عن الحركة اللوثرية الألمانية، اتحدت فيما بعد بحركة جون كالفن المصلح الفرنسي الأصل من جنيفا، الذي تأثرت به الكثير من أنحاء أوروبا. كانت الحركة الكالفينية أكثر تأثيرا من الحركة اللوثرية على حركة الإصلاح الديني في إنجلترا؛ إذ حولتها إلى دولة بروتستانتية بعد عام 1559.
لا ترجع جميع أسباب نجاح حركة الإصلاح الديني التي شهدها القرن السادس عشر إلى لوثر أو فيتنبرج مباشرة، مع أن من المستحيل الجزم بما إن كان الإصلاح الديني ليتحقق على مدى واسع دون لوثر. لكن لا شك أن مارتن لوثر لم يكن ليظهر في هذه السلسلة لولا الثورة الدينية التي تجاوزت أي حركة إصلاح تخيلها، وكان لها آثار أكبر على العالم الحديث من مبادرات أسلافه.
الفصل الثاني
التحول إلى إصلاحي
بحلول الوقت الذي اختطف فيه لوثر اختطافا وديا بعد انعقاد مجلس فورمس كان - بسنوات عمره السبع والثلاثين - قد جاوز أواسط العمر، وقد أخذ - دون أن يعي ذلك - يسلك مسارا مهنيا جديدا إلى جانب منصب الأستاذية الذي شغله، هذا إذا كان مسموحا له أن يحتفظ به. ملأ لوثر وقته في العشرة شهور التي أمضاها في قلعة فارتبورج (من مايو 1521 إلى مارس 1522) بالدراسة والكتابة والتأمل، مما أقنعه بأن يأخذ على عاتقه مهمة جديدة؛ فلم يعد راهبا، وإنما خادما تقوده العناية الإلهية لإعادة صورة أصدق للمسيحية إلى ألمانيا، عوضا عن مسيحية العصور الوسطى التي بدت له مليئة بالفساد والخرافات. فكيف استطاع ابن مقاول المناجم القادم من بلدة صغيرة في ألمانيا أن يجد مثل هذه الثورية في نفسه؟
وصف لوثر والديه بأنهما من الفقراء، ووصف نفسه بأنه ابن فلاح، لكن هذه الكلمات توحي بانطباع خاطئ عن طفولته. كان والده هانز ابن أحد المزارعين في قرية موهرا الصغيرة، التي لا تبعد بمسافة كبيرة عن بلدة آيزيناخ مسقط رأس والدته مارجريت ليندمان، لكن أقارب مارجريت ليندمان كانوا من أعيان البلدة، ومع أن هانز والد لوثر تزوج من طبقة اجتماعية رفيعة، إلا أنه شق طريقه في صناعة المناجم ليصبح صاحب مصهر؛ أي وكيلا لشركات النحاس، وهو ما تطلب منه استثمار أمواله الخاصة في العمل. ولد مارتن لوثر وتوفي في مدينة آيسلبن، لكنه أمضى طفولته في بلدة مانزفيلد الأصغر حجما، والتي انتقل إليها والداه عقب مولده بوقت قصير. ازدهرت أعمال هانز وجعلته أحد مواطني البلدة البارزين، وتشير الاكتشافات الحديثة إلى أن أسرة لوثر كان لديها زاد كاف من الطعام، وعاشت حياة موسرة في منزل كبير، شيد حول فناء ربما لعب فيه مارتن في طفولته بكرات زجاجية صغيرة عثر عليها هناك تعود إلى القرن السادس عشر. نمت ثروة هانز والد مارتن وتقلصت مع تذبذب سعر النحاس، لكن مارتن وإخوته - الذين ضموا على الأقل أخا يدعى ياكوب وثلاث أخوات - لم يعرفوا قط الفقر بمعناه الحقيقي، وأصبح ياكوب - الذي جمعت بينه وبين لوثر علاقة وثيقة - صاحب مصهر بدوره، وعاش في منزل الأسرة بعد أن توفي والده.
ربما كان هانز ابن فلاح، لكن مارتن نفسه - على حد أقصى ما بلغه علمنا - أقام في المدينة ولم يجرب قط الحياة الريفية، ورغم أنه شكا فيما بعد من أنه تلقى تعليما سيئا للغاية، عانى فيه الأمرين، فإن هذا المستوى التعليمي لم يعده للالتحاق بالجامعة وحسب، بل للعمل أيضا كمدرس وكاتب ومترجم وواعظ. ارتاد لوثر حتى الرابعة عشرة من العمر مدرسة لاتينية في مانزفيلد، لقن فيها قواعد اللغة، وتعلم مبادئ المنطق والخطابة. وفي عام 1497 تقريبا أرسل مع صديقه هانز راينيكي إلى مدينة ماجديبورج الكبيرة - مقر إقامة رئيس الأساقفة - حيث يرجح أنهما التحقا بمدرسة كاتدرائية البلدة، وأقام لدى جمعية إخوة الحياة المشتركة، وهي جمعية غير رهبانية، يشبه مقرها الدير، آوت الطلاب ودرست لهم في بعض الأحيان. واجهت مدينة ماجديبورج لوثر الشاب القادم من بلدة صغيرة ببيئة حضرية ودينية متشددة، لكننا لا نعرف الكثير عن أثرها فيه، فبعدها بعام أرسل لوثر إلى مدينة آيزيناخ للالتحاق بمدرسة قريبة من أقارب والدته، وأقام هناك مع هاينز شالبي، وهو أحد مواطني البلدة البارزين وراع لديرها الفرنسيسكاني، وارتاد مع ابن شالبي؛ كاسبار مدرسة أبرشية سان جورج، حيث نشأت صداقة وثيقة بينه وبين جون براون، وهو قس مسن دعاه لوثر فيما بعد إلى قداسه الأول. غير أن لوثر لم يدر بالطبع أنه سيختبئ بعد عشرين عاما في قلعة فارتبورج المطلة على البلدة.
كانت الخطوة التالية للوثر الطالب النابغة هي الجامعة، فاختار عام 1501 مدينة إيرفورت، وهي مدينة تجارية تقع على بعد 60 ميلا جنوب مدينة مانزفيلد، والتي كانت مزدهرة في عام 1392 بما يكفي لتأسيس جامعة خاصة بها. أقام لوثر لعشر سنوات من الأحد عشر عاما التالية من حياته في إيرفورت، وأمضى هناك أربعة أعوام بالجامعة وستة أعوام بالدير، وقيد شأنه شأن الطلاب المقبلين على الدراسة الجامعية في كلية الفنون الحرة؛ حيث اجتاز اختبار البكالوريا عام 1502، لكنه استغرق وقتا أطول للتأهل للتدريس، وتعين عليه دراسة أعمال أرسطو دراسة مكثفة، وأنهى الدراسة محتلا الترتيب الثاني على صف من سبعة عشر طالبا في أوائل عام 1505، وتسلم أوسمة المعلمين بالجامعة، وهي بريتة (قلنسوة مربعة الشكل) وخاتم إصبع، وهو ما أهله لإلقاء المحاضرات وعقد المناقشات، فضلا على أنه صار مؤهلا للدراسة في الكليات المهنية، ككليات القانون والطب وعلوم الدين، فعكف مباشرة على خوض المرحلة الأخيرة من تعليمه سيرا على خطة أبيه، الذي ارتأى أن دراسة القانون هي أفضل الطرق للوصول إلى وظيفة مرموقة آمنة، لكنه واصل الدراسة لأقل من شهرين، وبعد العودة إلى دراسته من زيارة إلى بلدته في يوليو عام 1505، أقلع فجأة عن دراسة القانون وجمع أصدقاءه - الذين ذهلوا من جراء ذلك - لحفل وداع بهيج، والتحق بدير أوغسطينيان المجاور.
Bilinmeyen sayfa