مر شهران ولم يفكر صفوت أن يدفع شيئا لمتولي غير المبلغ الذي أعطاه له عن طريق ياسر. وأدرك متولي أنه يريد أن يطلب منه. ويريد أن يجعل منه كلبا يبصبص بذيله للمأكل في يد صفوت. وحسان لا يسكت على متولي، واليوم الذي يمر يوما على الناس يمر عاما على متولي.
دخل متولي إلى مكتب ياسر في الشركة: ماذا جرى يا ياسر بك؟ - نعم، فيم؟ - أنت الآخر نسيت فيم؟ ألم تقل لي أسبوعين أو شهرا على الأكثر. - آه صحيح. - وأنت ماذا يهمك؟ لو كنت في الجحيم الذي أنا فيه أمام ابني وأمه. - أيلح عليك حسان؟ - حسان يلح بالصمت، وأمه تلح بالشتم. - أنا آسف يا عم متولي، الحق علي أنا. - يا ياسر يا بني المبلغ الذي يبدو كبيرا بالنسبة لصفوت أقل من ملاليم. - أعرف. - إذن فالمسألة إذلال؟ - يا رجل لا تقل هذا. - هي إذلال، وأنا أعرف. - تعرف. - نعم أعرف أنه يريد أن يذلني، وأنا قابل؛ لأنني أرى أن الطريق معه هو أقرب الطرق من ناحية الوقت. ولكن عند اللزوم ملعون أبو حسان وأم حسان، وأنا أعرف كيف أحصل على أضعاف هذا المبلغ. - غدا صباحا يكون الأمر انتهى وأحضرت لك ما تريد. •••
قال ياسر لصفوت: لماذا لا تعطيه المبلغ كله وتخلص؟ - وبماذا أمسكه بعد ذلك؟ - بمرتبه، بحاجته إليك، إنه سينفق المبلغ فورا وسيصبح في حاجة إلى مرتبه منك ليعيش. - يتهيأ لك، هذا ابن كلب. سيبقي من المبلغ شيئا ويسوق العوج ويعود إلى التهديد. - يا عمي صفوت، ما دام الرجل ابن كلب كما تقول ألا نحايله أحسن؟! - هذا لو كنت عبيطا مثلك. هذه الأصناف أنا تربيت فيها وأعرفها كما أعرف نفسي. اتركني أعامله المعاملة التي تضمن لي أن يظل محتاجا إلي. - ماذا تعني؟ - أعني خذ هذا المبلغ وأعطه له.
وفتح الخزنة وأعطى ياسر مبلغا نظر فيه ياسر وقال لصفوت مذهولا: ما هذا؟ خمسة آلاف جنيه؟ - نعم. - وهل هذا معقول؟ رجل يطلب منك ثمانين ألف جنيه تعطيه خمسة! طيب اجعلها عشرين مثل أول مرة. - اسمع كلامي أنت. خمسة وسيرجوك هو أن أزيدها إلى عشرة وأنت تقول إنك ستحاول معي وستحلفني بصفوت الصغير أعطيك خمسة أخرى وهكذا. - يا عمي، الرجل أنت لا تعرف حالته. الشر في عينيه ويقول إنك تريد أن تذله. - إذن فهو يعرف. - يا عمي صفوت، أنا طبعا لست في خبرتك ولا في عشرها، ولكن الذي أراه من متولي مخيف. - هذا لأنك جديد في الصنعة. - الإنسان لا يحتاج أن يكون جديدا في صنعة أو قديما فيها ليعرف الشر في عيون الناس. - افعل ما أقوله لك وسترى أن عمك على حق. - أمرك. •••
أمسك متولي المبلغ ونظر إلى ياسر: ما هذا؟! - لا عليك. الخزنة ساعة ما كلمته لم يكن فيها إلا هذا المبلغ. - نعم؟! - كذا والله. - اسمع يا ياسر بك إذا كنت تريد أن تصبح في غنى صفوت فلا تأخذ عنه الصنعة. - ماذا تقول؟ - أنت تزوجت ابنته من أجل المال طبعا. هل كنت عمرك رأيتها إلا شهرا وبضعة أيام في البنك؟ - هل جننت يا رجل، وأنا ما ذنبي حتى تتطاول علي؟ - لأنك لا ذنب لك أقول لك ما أقوله الآن. - أنت من عائلة كلها ناس أشراف، أخوك لم يخبرك وبلغ النيابة، أنا عارف لأنني الآن تحت الرقابة وهذا ما أردته من إبلاغ أخيك. وأبوك خرج على المعاش ولم يكون ثروة، فأنت من عائلة كلها أشراف وأنا مشفق عليك. - أنا ما دخلي في غضبك؟ - اسمع الكلام لآخره. - أهناك كلام آخر؟ - أنا لم أقل شيئا. - أنا لا أريد أن أسمع شيئا. سلام عليكم.
وخرج ياسر مغضبا ولم يسمع شيئا. مع أنه كان سيسمع عجبا.
الفصل السادس عشر
مخلوق عجيب هذا الإنسان، لا يعرف أبدا ماذا يريد. وكلما وهبت له الحياة من نعم نظر إلى ما لا ينبغي له أن ينظر إليه. وهكذا تسقط الحضارات. فحين تبلغ دولة القمة في مجدها تنظر إلى ما لا تطيق فتنفجر من داخلها وتزول حضارتها ويسقط مجدها وتحل مكانها حضارة أخرى.
والدول كل الدول هي مجموعة من الأناس، والإنسان هو العامل الأساسي فيها. وهو هو الذي يرتفع بمجد دولته حتى يبلغ بها أعلى عليين، وهو هو الذي يمزقها فينخفض بها إلى أسفل سافلين.
وسبحان بارئ النفوس العالم بأسرارها يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام:
Bilinmeyen sayfa