İştar'ın Gizemi: Tanrıça, Dini ve Mitolojinin Kökeni
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Türler
وفي فرجيا بآسيا الصغرى، الموطن التقليدي للأم الكبرى سيبيل وابنها آتيس، كانت صرخة الحصادين المشابهة لمثيلاتها في سوريا وقبرص هي «ليتريسيس»، وهنا تكرر الروايات اليونانية قصة الميتة القاسية للفتى اليافع أو الملك الشاب. فليتريسيس كان ابن الملك ميداس، ملك فرجيا، وقد لقي مصرعه على يد هرقل الذي قطع رأسه بالمنجل ورمى بجثته إلى النهر. وتفصيل الأسطورة: أن ابن الملك كان شابا ذا قوة هائلة وبأس عظيم، وكان حصادا ماهرا لا يجاريه في سرعة الحصاد أحد. فإذا مر بحقله أحد الغرباء أدخله فقدم له الطعام والشراب، ثم خرج به وأجبره على الدخول معه في منافسة لحصد القمح، فكان إذا سبقه، وهذا ما كان يحدث على الدوام، قام إليه فأدرجه داخل حزمة من سيقان القمح وقطع رأسه بمنجل الحصاد، ثم بسط جسده في الحقل مدة، يلقي به بعدها إلى مياه النهر. وقد قضى ليتريسيس على عدد كبير من الرجال بهذه الطريقة، إلى أن مر بحقله هرقل، ودخل معه في منافسة هزمه فيها، وقتله بنفس الطريقة التي كان يقتل بها ضحاياه.
24
سنتوقف قليلا عند هذه الأسطورة الأخيرة؛ لأننا سوف نبني عليها هيكلا متماسكا من التفسيرات، يلقي ضوءا على طقوس القمح القتيل، ومفهوم القربان البشري في ديانات الخصب القديمة. ففي أسطورة ليتريسيس عناصر جديدة لم نصادفها فيما سبق من شبيهاتها. فإذا كان تفسيرنا السابق عن الشاب القتيل في ريعان الصبا صحيحا، فإن ما نضيف إليه هنا، هو أن الرواية اليونانية قد فهمت الأسطورة والطقس في فرجيا بشكل معكوس؛ ذلك أن ليتريسيس لم يكن هو الذي مات ميتة ضحاياه السابقين؛ بل إن الضحايا في حقل القمح هم من كان يموت ميتة الإله الابن، روح القمح الذي قضى تحت مناجل الحصادين. والأسطورة تحتوي على أثر من طقس موغل في القدم، كانت بموجبه القرابين البشرية تقدم في حقل القمح، وتقتل بنفس الطريقة التي مات بها الإله الابن؛ فروح القمح التي رأيناها في فصل عشتار الخضراء، تتحرك في حقل القمح أمام الحصادين، إلى أن تلقى مصرعها في حزمة القمح الأخيرة التي حلت فيها، هي التي تقتل طقسيا في شخص القربان البشري الذي يلف داخل حزمة القمح، ويقطع رأسه بالمنجل، ثم يبسط في الحقل لإخصابه، وأخيرا يرمى إلى الماء للإيحاء بمواسم ممطرة قادمة. إن إعادة بناء هذا الطقس القديم انطلاقا من أسطورة ليتريسيس لا تبدو مجرد افتراض تخيلي، إذا نحن قدمنا للقارئ بعض العادات الشعبية والألعاب الفلكلورية التي كانت موجودة لدى الحصادين في أوروبا إلى عهد قريب جدا. فطقوس القمح القتيل الموغلة في القدم، قد أخذت تتلاشى بمرور الزمن لتحل محلها ممارسات رمزية تشير إلى أصولها السابقة، ثم تلاشت هذه بدورها لتغدو فلكلورا شعبيا يتخذ طابع اللعب والمرح، وترويحا عن النفس خلال موسم الحصاد المضني. إن مسابقات الحصاد في أسطورة ليتريسيس والقبض على الغريب وقتله ورميه في الماء، كلها عناصر سوف تظهر في الفلكلور الشعبي بشكل ملفت للنظر. وسنعمد فيما يأتي إلى إغناء الأمثلة التي أوردناها في فصل عشتار الخضراء حول هذا الموضوع.
في فرنسا، وإلى عهد قريب، كان الحصادون يأخذون حزمة القمح الأخيرة، فيجعلونها على شكل امرأة يرقصون حولها وينادون باسم «سيريس» (التي هي ديمتر). فإذا انتهوا قتلوا الدمية بأن أضرموا النار فيها، وراحوا يدعون إلى الأم-القمح أن تعطيهم غلالا وفيرة. وفي مناطق أخرى من الريف الأوروبي كان الحصادون يأخذون حزمة القمح الأخيرة فيجعلونها على شكل كتلة كبيرة يضعون في داخلها حجرا يجعلها أكثر ثقلا، وذلك إيحاء بمواسم وفيرة للعام المقبل، وكانوا يدعون هذه الكتلة بالأم الكبرى. فإذا انتهوا من رقصهم ومرحهم مع انتهاء الحصاد، أضرموا النار في الكتلة. وقد يربط حاصد الحزمة الأخيرة إلى تلك الحزمة، ويشار إليه على أنه روح القمح. وفي ذلك تمثيل نباتي وإنساني مزدوج لروح القمح التي تم الإمساك بها في ملجئها الأخير، وهنا يعامل الحصادون زميلهم الموثق إلى الحزمة معاملة قاسية قد تصل إلى حد الإيذاء أحيانا. وقد ترمى الحزمة إلى الماء لاستجلاب المطر أو تحرق ويذر رمادها فوق الحقول لإخصابها. وفي ممارسات أخرى يتم القبض على روح القمح بعيدا عن الحقل في مكان الدرس، حيث التجأت بعد هربها من عصف المناجل واختبأت في مكان تجميع الحصاد. وهناك تقتل تحت ضربات الدراسين. وهنا يؤخذ صاحب الضربة الأخيرة في عملية الدرس، فيربط إلى آخر حزم القش ويطوف به زملاؤه في طرقات المدينة وسط تهكم الناس وضحكاتهم.
25
من أجل ذلك كان الحصادون يتسابقون في الحقل ومكان الدرس، وكل واحد يحاول ألا يأتي آخر الحصادين أو الداسين؛ لأن روح القمح إذ ذاك سوف تحل فيه، وعندها يلقى من زملائه معاملة تختلف باختلاف الأمكنة وتنوع العادات؛ فقد يطاف به في عربة مكشوفة تطوف طرقات القرية، وقد يربط إلى حزمة القمح ليعاني اللكز والوخز، وقد يرش بالماء، أو يرمى به إلى مياه النهر، أو يلقى كل هذه الصنوف مجتمعة. ففي بعض المناطق كان حاصد الحزمة الأخيرة يدرج بداخلها فلا يبدو منه رأس أو قدم، ثم يحمل على الظهور فيطاف به بين تهليل رفاقه وصراخهم، وقد يحمل الأخير في الحصاد، في آخر عربة راجعة إلى القرية على أنغام الموسيقى، وهنا يقوم رفاقه بدحرجته على الأرض حول مخزن الحبوب، ويقوم آخرون خلال ذلك برشه بالماء. وقد تخضع المرأة التي تضم الحزمة الأخيرة من حزم القمح، إلى معاملة لا تختلف عن معاملة الرجال المتخلفين في حصاد الحزمة، حيث تلقى صنوفا من اللكز والوخز، ثم تربط إلى الحزمة وتدعى بدمية القمح.
26
ومن الممارسات ما هو أقرب إلى تمثيل قتل روح القمح التي تحل في حزمة القمح الأخيرة أو فيمن يحصدها؛ ففي بعض مناطق ألمانيا كانت حزمة القمح الأخيرة تربط وتترك قائمة في الحقل، ثم يتقدم إليها حصاد شاب فيشحذ منجله ويصرعها بضربة قوية فتتهاوى وتتبعثر. وفي مناطق أخرى، يصنع الحصادون دمية من عيدان القمح، ويأخذونها معهم إلى مكان الدرس، حيث توضع تحت آخر كومة قمح معدة للدرس وهي الكومة التي تتلقى ضربة الدراس الأخيرة، الذي يعتبره زملاؤه قاتل روح القمح. وقد تجمع زوجة صاحب الأرض إلى الحزمة الأخيرة في مكان الدرس، وتجري عملية درسها ثم توضع في المذراة، ويجري تمثيل عملية تذريتها باعتبارها ممثلة لروح القمح.
27
هذا وقد يجري تمثيل القبض على روح القمح باعتبارها حالة في غريب عابر يمر قرب حقل القمح، أو في زائر أو في سيد الأرض نفسه لدى دخوله حقل الحصاد لأول مرة. ومثل هذه الممارسات كانت شائعة في جميع أنحاء ألمانيا، وفي بعض مناطق النروج وفرنسا. فكان الغريب يقاد إلى حقل الحصاد أو إلى مكان الدرس، حيث تربط إليه عيدان القمح ويشد وثاقه حتى يوافق على دفع فدية نقدية. وفي هذه الأثناء يقوم الآسرون بشحذ مناجلهم والتلويح بها في وجهه كمن يستعد لقطع عنقه. وقد يردد الحصادون حول الضحية أهازيج تتصل بالطقس القديم عندما كان الغريب يضحى به فعلا في حقل القمح؛ من ذلك قولهم: «الرجال جاهزون والمناجل مسنونة. القمح طويل وقصير، والسيد يجب أن يحصد رأسه.»
Bilinmeyen sayfa