ويقولون: أهاجه الغضب، وهو مقاد إلى هذا الأمر بطبعه، وطعام مقيت، وأقر المجلس على كذا؛ أي: استقر رأيه عليه، والصواب في كل ذلك التجريد. وربما خصوا هذا الاستعمال ببعض صيغ الفعل دون بعض، يقولون: فلان غير ملام في هذا الأمر فيأتون به من باب أفعل مع أنهم يقولون: لمته ألومه وأنا لائم له، وهو عجيب. وكذا قولهم: أكربه الهم، وأرعبه الخطب، وأمر مكرب ومرعب، وفلان رجل مهاب، مع أنهم يقولون: رجل مكروب ومرعوب، وهبت فلانا، وأنا أهاب أن أكلمه. ويقولون: أشهرت الأمر وأشهرت عليه السلاح وأمر مشهور وسيف مشهر، فيفرقون بين الأمر والسيف في صيغة المفعول. وقد جاء من هذا في كلام الأولين قول سليمان بن عبد الملك: «أنا الملك الشاب السيد المهاب» (رواه المسعودي في مروج الذهب). وهذا يدل على أن هذا الغلط قديم يتصل بأوائل عهد الإسلام، وقد وهم فيه أناس من أكابر الشعراء وجلة أهل الأدب لندرة كتب اللغة في أيامهم واعتمادهم في تحملها على السماع مع ما دخلها من الفساد والتحريف، فمن ذلك قول الإلبيري رواه في نفح الطيب:
ومهما أكربتك صروف دهر
فقل ما قاله الرجل الأريب
وقول صفوان بن إدريس:
وقد أسكرت أعطاف أغصانها الصبا
وما كنت أعددت الصبا قبلها خمرا
يريد عددت. وقول مصطفى الحلبي:
ولا تغنت على غصن مطوقة
إلا أهاجت لي الأشجان والأرقا
والأمثلة من هذا كثيرة، فنقف منها عند هذا القدر رعاية للمقام.
Bilinmeyen sayfa