ومن ذلك قوله: «أثبتت حقوقها بما لم يعد معه للريب بال.» قال في القاموس: البال الحال والخاطر والقلب والحوت العظيم والمر الذي يعتمل به في أرض الزرع ورخاء العيش. وانظر أيها يناسب هذا الموضع.
وقوله: «دخان المعامل وعثير أيدي الصناع.» أي: ما يثيرونه من الغبار بأيديهم. والعثير مخصوص بالغبار الذي تثيره الأرجل في المشي، إلا إذا أراد أن أولئك الصناع كانوا يمشون على أيديهم.
ومن تلك الأمثلة قول الآخر: «نشبت الحرب وألقت أوزارها.» يريد بقوله: ألقت أوزارها تقوية الجملة الأولى التي هي قوله: نشبت الحرب؛ لظنه أن الجملتين بمعنى واحد، وهو وهم بين؛ فإن الأوزار جمع وزر بالكسر بمعنى الثقل، ويراد بأوزار الحرب العدد والأسلحة التي تباشر بها. وظاهر أن إلقاء الأسلحة مفهومه ترك الحرب، ومنه في سورة محمد
حتى تضع الحرب أوزارها . قال البيضاوي: أي آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها؛ كالسلاح والكراع؛ أي تنقضي الحرب. ا.ه.
ومن هذا القبيل قول الآخر: أخنى عليهم الدهر بكلكله، وهو من مضحكات الكلام؛ فإنه يقال: أخنى عليهم الدهر؛ أي: أهلكهم وأتى عليهم، والكلكل الصدر، ولا معنى لأن يقال: أهلكهم الدهر بصدره، وكأن هذه العبارة انحرفت على الكاتب؛ لأنه يقال: أناخ عليهم الدهر بكلكله على تشبيه الدهر بالبعير إذا برك بصدره على الشيء. ويقال أيضا: طحنهم الدهر بكلكله وجر عليهم كلاكله؛ قال:
إذا ما الدهر جر على أناس
كلاكله أناخ بآخرينا
ومن ذلك قول الآخر: «بسطت أسباب العمران رواقها.» وهو من التراكيب التي لا معنى لها؛ لأن الأسباب بمعنى الجبال استعارها للعمران على جعلها بمعنى الوسائل، وهو استعمال سائغ، ولكنه جعل لتلك الأسباب رواقا، فأفسد؛ لأن ذلك مما لا يتصور في حقيقة ولا مجاز ولا يمكن رده إلى تفسير صحيح.
وقوله: «شيد معالم الحضارة.» وهو يحسب أن المعالم شيء من البنيان، فجعلها مما يشيد. قال في لسان العرب: المعلم الأثر يستدل به على الطريق. ا.ه. فوجه الكلام أن يقال: أوضح معالم الحضارة مثلا؛ أي: أظهر ما طمس من آثارها، وهو التعبير الذي تراه في كلام الفصحاء.
وقوله: «النساء اللواتي أدليت الأحكام إليهن.» يعني أسندت، ولم يسمع استعمال أدلى بهذا المعنى، ولا جاء في نصوص اللغة ما يحتمل ذلك فيه.
Bilinmeyen sayfa