68

فحيث شاعت أناشيد الجماعة قل الاعتماد على القافية، وكثر الاعتماد على حركات الإيقاع، ولو لم تكن متناسقة الوزن على نمط محدود؛ لأن الغناء بالكلام المنثور ممكن مع توازن الفواصل وموازاة السطور.

وأناشيد الجماعة قد شاعت بين العبريين؛ لأنهم قبيلة متنقلة تحمل تابوتها في رحلتها، وتنشد الدعوات معا في صلواتها الجامعة، وفي هذه الدعوات ترانيم على وقع الدفوف، كما جاء بالإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج «أخذت مريم النبية الدف بيدها، وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص، وأجابتهم مريم: رنموا للرب فإنه قد تعظم ...»

وكذلك شاعت بين اليونان أغاني المسرح التي ترجع في نشأتها إلى الشعائر الدينية، ثم انتقلت منها إلى الأمم الأوروبية.

ومما يؤيد الصلة بين غناء الفرد والتزام القافية أن شعراء الأمم الغربية، الذين ينشدون قصائدهم للمستمعين قد لجأوا إلى القافية، والتزموا في مراعاتها أحيانا ما يلتزمه عندنا شعراء الموشحات.

أما البيئة العربية فلم تكن فيها قبل الإسلام صلوات جامعة منتظمة بمواعيدها ومحفوظاتها، وإنما كان الحداء هو الغناء الذي يصاحب إنشاد الشعر على بساطة كأنها بساطة الترتيل، ينشده الحادي على انفراد وتصغى إليه القافلة أحيانا في هدأة الليل، إذ يعتمد الحس كله على السمع في متابعة النغم إلى مواضع الوقوف والترديد، فتقفو النغمة على وتيرتها، ويصدق عليها اسم القافية بجملة معانيه.

لهذا استقل النظم بحقه في الصنعة؛ لأن هذه الصنعة لازمة لتمييزه مع الغناء ومع غير الغناء، فانتظمت قوافيه وانتظم ترتيله انتظاما لا بد منه لكفايته، مع بساطة أفانين الغناء.

وإذا التمسنا مدخلا لفن الحركة الموقعة مع الحداء، فهناك إيقاع واحد نتابعه في خطوات الإبل وفي خطوات الهرولة التي تصاحبها على القدم، وإلى هذا الإيقاع يرجع وزن الرجز على قصد وعلى غير قصد، ومجيئه على غير قصد أدل على تمكن العادة، وعلى أصالتها في الحياة البدوية.

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب •••

هل أنت إلا أصبع دميت

Bilinmeyen sayfa