وأما أصل مادة «شور» فقد ذهب من العربية، والقياس في مقابلة الألفاظ بين العربية والعبرانية يقضي أن تلفظ هذه الكلمة في العربية «سور» بالسين، ولا نجد في هذه المادة عندنا ما يماثل هذا المعنى، إلا إذا اعتبرنا تسمية فصول القرآن سورا واحدتها «سورة» فيكون المراد بها الأنشودة أو الترتيلة من قبيل التجويد.
ومن أمثلة تنوع المعاني أن لفظ «الورق» في العربية أصله من «يرق» اخضر، ومنه ورق الشجر لاخضراره، ولا يزال من هذه المادة في العربية «اليرقان» للمرض المعروف، وهو اخضرار الجلد أو اصفراره، وقد شقه صاحب «القاموس» من «أرق».
وقس على ذلك مئات من الأمثلة تشهد على ما لحق ألفاظ اللغة العربية من تنوع معانيها ومدلولاتها قبل زمن التاريخ، باعتبار مقابلتها بألفاظ أخواتها السامية.
اللغة العربية وحدها
على أننا لو اقتصرنا على مراجعة المعجمات العربية وحدها لاتضح لنا هذا الناموس بأجلى بيان، إذ نرى للمادة الواحدة أو اللفظ الواحد عدة معان متفرعة من معنى واحد، ثم يتنوع المعنى على مقتضيات الأحوال. ولا نحتاج في إثبات ذلك إلى إيراد الشواهد لأنه بديهي، وإنما يحسن بنا أن نشير إلى أسباب ذلك التنوع وهي كثيرة، وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم من الكلام في مقابلة الألفاظ العربية بألفاظ أخواتها كاشتقاق معنى الملح من البحر ومعنى الثلج من البياض، وغير ذلك مما بينه تناسب في المعنى.
وقد تكتسب الكلمة معنى جديدا من عادة أو عقيدة، مثل قولهم: «بنى على أهله أو بأهله» بمعنى تزوج، وليس في أصل فعل البناء هذا المعنى، وإنما اكتسبه من عادة كانت جارية عند العرب، وهي أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة الزفاف. ومن هذا القبيل تحول معنى القمر إلى الشهر لأنهم كانوا يوقتون بالقمر.
ومن أسباب زيادة النمو في اللغة العربية غير النحت والإبدال والقلب «التصحيف»، وهو التبادل بين الحروف المتشابهة شكلا كالباء والتاء والثاء والنون والياء، أو الجيم والحاء والخاء، أو الدال والذال، أو الراء والزاي، أو السين والشين. وقس عليه.
فمن أمثلة ما ورد بمعنى واحد وسببه التصحيف قولهم: رجل صلب وصلت، والدبر والدير، والكرت والكرب، ورغات ورغاب، والجلجلة والحلحلة، وجاض وحاص، والنافجة والنافحة ... وهو كثير، وقد ذكر منه علماء اللغة مئات. والغالب أن ذلك التصحيف لم يحدث إلا بعد تدوين اللغة، لأنه خطأ بقراءة الخطوط.
ومما اختصت به لغة العرب من نتائج هذا النمو ورود الألفاظ الكثيرة للمعنى الواحد، فعندهم للسنة 24 اسما، وللنور 21 اسما، وللظلام 52 اسما، وللشمس 29 اسما، وللسحاب 50 اسما، وللمطر 84 اسما، وللبئر 88 اسما، وللماء 170 اسما، وللبن 12 اسما، وللعسل نحو ذلك، وللخمر مائة اسم، وللأسد 350 اسما، وللحية مائة اسم، ومثل ذلك للجمل، أما الناقة فأسماؤها 255 اسما ... وقس على ذلك أسماء الثور والفرس والحمار وغيرها من الحيوانات التي كانت مألوفة عند العرب، وأسماء الأسلحة كالسيف والرمح وغيرهما، ناهيك بمترادف الصفات فعندهم للطويل 91 لفظا، وللقصير 160 لفظا، ونحو ذلك للشجاع والكريم والبخيل مما يضيق المقام عن استيفائه.
ومن خصائص اللغة العربية أسماء الأضداد، فإن فيها مئات من الألفاظ يدل كل منها على معنيين متضادين، مثل قولهم: «قعد» للقيام والجلوس، و«نضح» للعطش والري، و«ذاب» للسيولة والجمود، و«أفسد» للإسراع والإبطاء، و«أقوى» للافتقار أو الاستغناء.
Bilinmeyen sayfa