ولما فتح الباب ثم أغلق وراءهم أدرك خطفا أنه باب خشبي ذو زخارف عربية محلى الرأس بحكمة أو مثل أو آية من الصدف، وأرجع رأسه من التفاتته ليتلقى النظرات العابسة ويسمع صوته الخشن وهو يقول: من الغباء أن تجرب ألاعيبك معي أنا، أنا فاهمك وحافظك عن ظهر قلب!
لم ينبس ومضى يفيق من ضربة المفاجأة، ولكن على استسلام كاليأس، وإن داخله شعور بأنه لن يستسلم إلى القبضة التي أفلت منها أمس، أو هكذا شعر! - كنت في انتظارك، على أتم استعداد، بل ورسمت لك طريق السير، وددت لو يخطئ ظني، ولكن أي سوء ظن فيك يخطئ؟
غض بصره لحظات فرأى ما تحت قدميه من مشمع لامع، ثم رفعهما دون أن يحاول الخروج عن صمته. - لا فائدة، لن تنتهي من حقارتك، وستموت حقيرا، وخير ما أفعله الآن أن أسلمك إلى البوليس!
فاختلج جفناه، وانفرجت شفتاه في عصبية، فتساءل رءوف بحدة: ماذا جئت تريد؟
فغض بصره مرة أخرى. - أنت تفصح عن عداوتك، نسيت الإحسان وتركزت في الحقد والحسد، إني أعرف أفكارك بقدر ما أعرف حركاتك!
وبصوت خافت، وبعينين تختفيان في الأرض قال: رأسي دائر، ما زال دائرا منذ خرجت من السجن! - كذاب، لا تحاول خداعي، أنت تتوهم أني صرت واحدا من الأغنياء الذين كنت أحمل عليهم، وعلى هذا الأساس أردت أن تعاملني. - ليس الأمر كذلك! - إذن، لم تسللت إلى بيتي؟ ولم تريد أن تسرقني؟
تردد سعيد مليا ثم قال: لا أدري، لست في حالة طبيعية، وأنت لن تصدقني! - طبعا، لأنك تعلم أنك كاذب، لم تقتنع بكلماتي الطيبة، ثار حسدك وغرورك، اندفعت كالجنون نفسه كما هي عادتك، ولك ما تشاء، فستجد نفسك في السجن مرة أخرى!
فقال في تسليم: اعذرني، ما زلت أعيش بعقلية السجن وما قبله. - لا عذر لك، أنا أقرأ أفكارك، قرأت كل جملة مرت بعقلك، كل جملة، الصورة الكاملة التي تتصورني فيها، والآن آن لي أن أسلمك للبوليس!
فمد يده كالرجاء قائلا: كلا ... - كلا؟! ألا تستحقه؟ - بلى، ولكن كلا ...
فنفخ غاضبا وهو يقول: إن رأيتك مرة أخرى فسأسحقك كحشرة!
Bilinmeyen sayfa