156

Lessons of Sheikh Ahmad Fareed

دروس الشيخ أحمد فريد

Türler

شرح قوله في الحديث (اللهم بعلمك الغيب ما كانت الوفاة خيرًا لي) ما يسأله العبد من ربه ﷿ إما أن يكون مقطوعًا بأنه من الخير، كأن يسأل الله ﷿ الجنة والنجاة من النار، أو يسأله إيمانًا، أو توكلًا، أو حبًا لله ﷿، فهذا يقطع بأنه من الخير، فيلزم العبد أن يسأل الله ﷿ إياه، وإما أن يكون لا يدري هل هو من الخير أو من الشر، فينبغي عليه أن يعلق ذلك بعلم الله ﷿ أنه من الخير له، كأن يقول: اللهم وفقني إلى هذا السفر إن كان خيرًا لي، اللهم قدر لي هذا الزواج إن كان خيرًا لي، كما علمنا النبي ﷺ الاستخارة، وكان هذا بدلًا من الاستقسام بالأزلام ومن التطير، فقد كان العرب في الجاهلية إذا أراد العبد أن يعمل شيئًا ولا يدري هل هو من الخير أو من الشر -كأن يريد سفرًا- فإنه يضرب طيرًا بحجر، فإذا طار ناحية اليمين تيمن واستبشر وسافر، وإن طار ناحية الشمال تشاءم وترك السفر. أما الاستقسام بالأزلام فكان يأخذ ثلاثة أقداح ويكتب على أحدها افعل، وعلى الثاني لا تفعل، ويترك الثالث لا يكتب عليه شيئًا، ويأخذ منها قدحًا، فإذا خرج له القدح افعل يفعل، وإذا خرج له لا تفعل لا يفعل، وإذا خرج الذي ليس عليه شيء أعاد الاستقسام بالأزلام. فأبدلنا النبي ﷺ بدلًا من ذلك دعاء الاستخارة، أن يصلي العبد ركعتين من غير الفريضة، ويدعو الله ﷿: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر -ويسمي حاجته- شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه). ولما كان سؤال العبد للموت أو للمزيد من الحياة لا يدري هل هو من الخير له أو من الشر له علق ذلك بعلم الله ﷿، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله سلم يدعو بهؤلاء الكلمات: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)؛ لأن العبد لا يعلم ما يحدث في بقية عمره، هل يزداد قربًا لله ﷿، وحبًا له ﷿؟ أو يبعد عن الله ﷿ وينقلب على عقبيه، نسأل الله العافية، فلذلك علق هذا الدعاء بعلم الله ﷿، (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي). وإلا فالأصل ألا يسأل العبد الموت، كما قال النبي ﷺ: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، إن كان محسنًا فلعله يزداد، وإن كان مسيئًا فلعله يستعتب)، فالعبد لا يتمنى الموت؛ لأن الدنيا مزرعة للآخرة يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل لا دار للمرء قبل الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها فلا يتمنين أحد الموت، لأن كل يوم يعيشه المؤمن فهو غنيمة؛ لأنه يزداد خيرًا وقربًا إلى الله ﷿، بل كل لحظة من لحظات عمره جوهرة ثمينة يستطيع أن يشتري بها كنزًا لا يفنى أبد الآباد. وفي الحديث الآخر: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)، فالعبد لا يسأل الموت لضر نزل به من فقر أو مرض أو غير ذلك من أنواع البلاء؛ لأنه قد يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، أي: كالذي يحتمي من حر الرمضاء -أي: شدة الحر- بالدخول إلى النار؛ لأنه لا يدري ما له في الآخرة، ولا يثق بعمله، بل ينبغي له أن يجتهد في طاعة الله ﷿، ويسأل الله ﷿ أن يبارك في عمره، وأن يزيده ثباته على دين الله ﷿ وطاعة لله ﷿، ولكنه إذا خاف على دينه أو أشفق على يقينه أو خشي أن يموت على غير ملة الإسلام أو على غير طاعة الملك العلام فعند ذلك يجوز له أن يتمنى الموت كما في حديث اختصام الملأ الأعلى، (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون) فإذا خشي العبد على دينه وأشفق على يقينه فعند ذلك يجوز له أن يتمنى الموت كما تمنى بعض السلف الموت من كثرة الفتن، ومن خشيتهم على إيمانهم.

19 / 3