Lessons by Sheikh Ibrahim Al-Dweesh
دروس للشيخ إبراهيم الدويش
Türler
حال السلف الصالح مع اللسان
أسوق إليك أيها الأخ الحبيب! مواقف قليلةً جدًا، كيف كان حال السلف الصالح مع ألسنتهم: ذكر الإمام مالك في الموطأ: [عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه -أي: يجره بشدة- فقال له عمر: مه! غفر الله لك، فقال أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد] .
من القائل؟! إنه الرجل الأول بعد الأنبياء والرسل، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، القائل هو أبو بكر، فانظر لحرصه على لسانه ﵁ وأرضاه.
قال رجل: [رأيت ابن عباس آخذًا بثمرة لسانه -يعني: ممسكًا به- وهو يقول: ويحك قل خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم، قال: فقال له رجل: يا بن عباس! ما لي أراك آخذًا بثمرة لسانك تقول: كذا وكذا؟! قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه] يعني: لا يغضب على شيء من جوارحه أشد من غضبه على لسانه، والأثر أخرجه ابن المبارك وأحمد وأبو نُعيم، وأيضًا أخرجه أحمد في كتاب الزهد، والمتن بمجموع طرقه حسن، والله أعلم.
وقال عبد الله بن أبي زكريا: [عالجت الصمت عشرين سنة -انظر للحساب، انظر لحساب النفس- فلم أقدر منه على ما أريد.
وكان لا يدع أحدًا يغتاب في مجلسه، ويقول: إن ذكرتم الله أعنّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم] .
انظر للضابط: إن ذكرتم الله أعنّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم.
والأثر ذكره أبو نُعيم في الحلية.
وكان طاوس بن كيسان رضي الله تعالى عنه يعتذر من طول السكوت ويقول: [إني جربت لساني فوجدته لئيمًا راضعًا] هؤلاء هم رضي الله تعالى عنهم، فماذا نقول نحن عن ألسنتنا؟! وذكر هناد بن السري في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال: [يخشى أن يكون قولنا: حُميد الطويل غيبة] لأنهم بينوه أو نسبوه أنه طويل، يخشون أن يكون غيبةً رحمة الله عليهم أجمعين.
وأخرج وكيع في الزهد، وأبو نُعيم في الحلية، من طريق جرير بن حازم قال: ذكر ابن سيرين رجلًا فقال: [ذلك الرجل الأسود -يريد أن يعرفه- ثم قال: أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته] .
وكان عبد الله بن وهب ﵀ يقول: [نذرت أني كلما اغتبت إنسانًا -انظر للمحاسبة مرة أخرى- أن أصوم يومًا فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنسانًا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة] .
جرب هذا، كلما اغتبتَ إنسانًا أو ذكرته بسوء، ادفع ولو ريالًا واحدًا، الله العالم في حالنا الآن، سنجد أنه في آخر الشهر لم يبق من الراتب ريال واحد؛ لأننا أعرف بأنفسنا أيها الأحبة في مجالسنا والله المستعان.
قال الذهبي معلقًا في السير على قول عبد الله بن وهب، قال: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.
قال النووي في الأذكار: بلغنا أن قس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: [كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟! فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته: ثمانية آلاف عيب، فوجدت خصلةً إن استعملتها سترت العيوب كلها، قال ما هي؟ قال: حفظ اللسان] .
قال إبراهيم التيمي: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عامًا ما سمع منه كلمةً تعاب، الله المستعان! عشرين عامًا ما سمع منه كلمةً تعاب، والأثر ذكره ابن سعد في الطبقات.
وقيل له -أي للربيع -: [يا أبا يزيد، ألا تذم الناس؟! فقال: والله ما أنا عن نفسي براض فأذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم] .
وصدق ﵀، ألا ترون أيها الأحبة! أننا في مجالسنا نقول: نخشى عذاب الله من فعل فلان، ونخاف من عذاب الله ﷿ من قول علان، ولا نخشى من عذاب الله من أفعالنا وأقوالنا؟! هذا ظاهر في مجالسنا، نتحدث ونقول: والله نخشى من عذاب الله من أفعال فلان وعلان! ولكننا ننسى أن نخاف على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا، ارجع لنفسك وانظر لعيوبها قبل أن تنظر لعيوب الآخرين وتتكلم فيهم.
وقال حماد بن زيد: بلغني أن محمد بن واسع كان في مجلس، فتكلم رجل فأكثر الكلام، فقال له محمد: ما على أحدهم لو سكت، فتنقى وتوقى، أي: اختار كلماته ولحسب لها حسابها.
وقال بكر بن المنير: سمعت أبا عبد الله البخاري، أمير المؤمنين صاحب الصحيح رضي الله تعالى عنه وأرضاه يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا.
اسمع للثقة: أرجو أن ألقى الله لا يحاسبني أني اغتبت أحدًا، والبخاري له مؤلفات في الجرح والتعديل.
ويقول الذهبي في السير -أيضًا- معلقًا على قول البخاري هذا: صدق ﵀ ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإن أكثر ما يقول -يعني أشد ما يقول البخاري إذا أراد أن يجرح رجلًا- يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا، وقل أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر؛ فهو متهم واهم، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدًا، وهذا هو والله غاية الورع.
انتهى كلام الذهبي.
هذه مواقف للسلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع اللسان.
1 / 6