حال العرب قبل الإسلام وبعده
لفتةٌُ إلى الماضي: كيف كنا أيها العرب قبل لا إله إلا الله؟ كنا غثاء نتقاتل على مربط الشاة ومورد البعير، حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا تعبد من دون الله ضلالًا وظلامًا، بل ظلمات بعضها فوق بعض، ثم جاء الحق والنور على يدي محمد ﷺ، وزهق الباطل، ونشر الدين في هذا العالم، ولا زال له بفضل الله أصحاب وأنصار بمقتضى قول محمد ﷺ: ﴿لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك﴾.
انطلق صحابة رسول الله ﷺ ومن بعدهم، وإلى الآن على قلة يدافعون عن عقيدتهم، فضحوا بأنفسهم، ضحوا بكل ما يملكون في سبيل الله، فربح بيعهم، وحصدوا انتصارات بارعة على أعدائهم على الرغم من قلتهم، أما اليوم فالمسلمون قد أهينت كراماتهم، وانتهكت حرماتهم، رغم كثرتهم لم؟ لاختلاف السابقين المسلمين عن الآن، أولئك صدقوا الله، وقاتلوا بقوة الله رجالًا ونساءً وأطفالًا، وتعلقوا بالله، فنصرهم الله.
هاهو طفل من أطفالهم عمير بن أبي وقاص أخو سعد كان عمره أربعة عشر عامًا، أي: بعمر أولادنا الذين يتيهون اليوم في الملاعب وعلى أنغام الموسيقى وما لا فائدة فيه، يأتي عمير يوم بدر وحمائم السيف تجر خلفه لنحافته وقصره، لكنه كبير بعقيدته وإيمانه، أمر النبي ﷺ بإعادته؛ لأنه لا يقدر على الجهاد، فبكى عمير، فقال النبي ﷺ لأخيه سعد: ﴿ما يبكيه؟ قال سعد: والله يا رسول الله! ما خرج من المدينة رغبة في شيء إلا في الشهادة في سبيل الله، فلا تحرمه الشهادة لعله يرزقها في هذا اليوم يا رسول الله! فتدمع عيناه ﷺ، ويأذن له، فيكون أول شهداء بدر ﵃ أجمعين﴾ حريٌ بأطفالنا، لا، بل برجالنا أن يجعلوه مثلًا يحتذى به بعد أن ضللهم الفراغ، وأعدم عندهم الأخلاق والعقائد والأفكار.
من عقيدتنا إيماننا بالله، فأين ذلك؟ يوم حدث الحادث على بلد مجاور، واليوم نحن في انتظار حرب كانت هناك حرب يلتفت الناس يمنة ويسرة فزعين هلعين قد أصابهم السخط والجزع، وكأن لم يكن لهم ربٌ يقول للشيء كن فيكون، أليس هو مالك الملك؟! أليس هو مدبر الأمر؟! بلى والله، الأمر لله، والملك لله، والخلق لله، والعزة لله، يعز من يشاء ويذل من يشاء.
يا من يعرف معرفة الطريق لنصر الله! اسمع قول الله في الحديث القدسي: ﴿ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه﴾ فهل حققنا ذلك لنكون أهلًا، لنسأل فنعطى، ولنستعيذ فنعاذ؟ هل ارتبطنا بالله؟!
أما والله لو ارتبطنا به لسخر لنا كل ما في الكون، ولنصرنا، ولأعزنا، ولوقف معنا ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:٦٩] سخر الله النهر - نهر دجلة - لـ سعد بن أبي وقاص وجنده، فمشوا عليه كأنه يابسًا يرون الأسماك من تحتهم، وعبروا النهر، وأدخلوا الرعب في نفوس الفرس، فهربوا قائلين: إنكم تقاتلون شياطينًا وجنًا لا بشرًا وإنسًا، أين يكون ذلك؟ أين يكون أن يجعل النهر يابسًا إلا في عقيدتنا، نحن لا نرتبط بقوانا، ولا بقدراتنا، لكن معنا من يقول للشيء: كن فيكون.
سائلوا التاريخ عنا كيف كنا؟
كنا جبالًا في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارًا
2 / 4