Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Türler
حكم إطلاق كلمة (سيد) على رسول الله
السؤال
نرجو البيان بالتفصيل في حكم استعمال كلمة (سيد) مثلًا: (سيدنا محمد ﷺ، مع أنه ورد حديث: (السيد الله) .
الجواب
(السيد الله) هو حديث صحيح بلا شك، وكذلك هناك أحاديث صحيحة أطلق فيها الرسول ﵊ السيادة لنفسه بحق، وهو قوله في صحيح مسلم: (أنا سيد الناس يوم القيامة، أتدرون مما ذاك ...) ثم ذكر حديث الشفاعة، وهو حديث طويل جدًا، كذلك قال ﵊: (أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، آدم فما دونه تحت لوائي يوم القيامة) .
فالسيادة سيادتان: سيادة لا تليق إلا لله ﷿، فهي التي عناها الرسول ﵊ في الحديث الأول حينما قال: (السيد الله) وهي السيادة المطلقة، والمناسبة التي ذكر هذا الحديث فيها تؤيد ذلك، فقد جاء ناس إلى النبي ﷺ فقالوا له: (أنت سيدنا وابن سيدنا وأنت كذا وكذا ...) -وذكروا ألفاظًا أخرى، فقال في الحديث هذا: (السيد الله) وفي حديث آخر قال لهم: (قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)، أيضًا نفهم من مجموع الروايتين أن قوله ﵊: (السيد الله) هو تنبيه إلى أن السيادة الحقيقة إنما هي لله ﷿، فخشي ﵊ من مبالغتهم في وصفه، أن يؤدي بهم ذلك الوصف إلى الإشراك بالرسول ﷺ مع الله ولو في اللفظ؛ لأنه من الفقه في التوحيد الذي يخفى على كثير من أهل العلم فضلًا عن غيرهم، أن الشرك له أقسام كثيرة، والذي يهمنا الآن هو التفصيل الآتي: شرك اعتقادي، وشرك لفظي، فحينما نهى الرسول ﵊ أولئك وقال لهم: (السيد الله) خشي عليهم أن يقعوا في الشرك اللفظي، أي: أن يقولوا لفظًا يمكن أن يطلق على الرسول ﷺ، لكن المعنى الحقيقي له إنما هو لله ﵎، فبيانًا لهذه الحقيقة قال: (السيد الله) وبيانًا للسيادة اللائقة به ﵊، التي هي دون ودون ودون -أكرر ملايين (دون) - سيادة الله الحقيقية، هي هذه السيادة التي قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة، أنا سيد ولد آدم) فبناء على هذا التفصيل: إذا قال المسلم في بعض الأحيان: سيدنا رسول الله، وهو إنما يعني السيادة اللائقة به، وهو نبي مصطفىً مخلوق، فهذا جائز بلا شك؛ لأنه سيد حقًا، لكن إذا قال: سيدنا، وضمن هذه اللفظة معنىً فوق مستوى البشر، فحين ذلك يقال له: السيد الله، السيادة الحقيقية هي لله ﷿.
ونجد أن الصحابة ﵃ نادرًا ما كانوا يستعملون لفظة السيادة هذه؛ لأن الغالب عليهم أنهم يقولون: قال رسول الله، وإنما جاء في حديث موقوف في سنن ابن ماجة على ابن مسعود، أنه ذكر الرسول ﵊ لفظ: سيد المرسلين، ومع ذلك ففي السند ضعف، فإذا قال المسلم أحيانًا: قال سيدنا رسول الله، من باب بيان أن للرسول ﵊ هذه السيادة على جميع البشر، كما سمعتم آنفًا؛ فهذا حق، لكن الغالب أن يقول: قال رسول الله، قال ﵊ كما جرى عليه السلف الصالح، إلا في العبادات في الأوراد والأذكار التي جاءتنا عن الرسول ﷺ تعليمًا منه لنا، فلا يجوز أن ندخل لفظة سيد في ورد من تلك الأوراد؛ وذلك لأن التعليم النبوي للمسلمين ليس فيه نقص حتى يأتي أحدنا فيستدرك هذا النقص عليه، فالله ﷿ حينما أنزل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] قالوا: (يا رسول الله! هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال ﵊: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم.
إلخ) لم يقل لهم: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا.
وهنا أذكر وهمًا شائعًا للتنبيه على خطئه، يقول بعضهم، ومع الأسف أنه من أهل العلم: كيف يأمر الرسول الناس أن يقولوا: سيدنا، وهو رسول الله وهو متواضع، ولا يليق بتواضعه أن يأمر الناس أن يسودوه، وأن يقولوا: اللهم صلِّ على سيدنا؟ هذه غفلة تشبه غفلة المستبيحين للتصوير الفوتوغرافي، بحجة أن الرسول لا يعرف ما يصير فيما بعد، ونسوا أن هذا الكلام: (كل مصور في النار) ليس من عنده، وإنما هو من الله، ونسوا أيضًا أن قول الرسول: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد) ليس من عنده، إنما هو من وحي السماء، فالله هو الذي أمر سيد الناس أن يأمر الصحابة أصالة وسائر الناس تبعًا بأن يقولوا: اللهم صلِّ على محمد، فلو أن الله ﷿ أراد أن يشرع للناس تسويد الرسول بالصلاة الإبراهيمية، لكان الرسول ﷺ يقول للناس: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، ويُقَرِّب هذا المعنى ما يأتي: تُرَى لما علمنا الرسول ﵊ التحيات، وقال: (إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل: التحيات لله) هل هذا تعظيم لنفسه أم تعظيم لربه؟ لا شك أنه تعظيم لربه، فهل يجوز لنا أن نقول: التحيات لله تعالى، التحيات لله ﷿؟ هذا كله تعظيم لله ﷿؟ ومع ذلك لا يجوز بهذه الصيغة؟ لأن هذا التعليم كامل أولًا، ثم هو من الله الذي أمرنا أن نعظمه ونبجله في صلاتنا بهذه الألفاظ: التحيات لله والصلوات والطيبات، فلو أراد الله زيادة التبجيل له لزاد هذه الألفاظ وعلمنا الرسول ﵇، وهذا كهذا، كما أنه لا يجوز للمصلي أن يقول: التحيات لله ﵎، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتحياته وسلامه.
إلخ، كذلك لا يجوز أن يقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد إلخ.
والسر في هذا أن الأذكار توقيفية، أي: التعليم من الله للرسول والرسول بدوره للأمة، لذلك لا يجوز أن نقول: إن الرسول تواضعًا منه لم يقل: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا، وإنما نقول: إن كان الله أوحى إليه بلفظة (سيدنا) فما كان لرسول الله أن يكتم وحي السماء بحجة التواضع، وإن كان الله لم يوحِ إليه بذلك؛ فأحرى وأحرى ألا يجوز لنا أن نزيد شيئًا لم يوحَ به إلى النبي ﷺ من السماء.
فهذا جواب زيادة سيادة الرسول ﵊ له سيادته اللائقة التي فضل بها على الناس جميعًا، ولكن نقول أحيانًا: سيدنا رسول الله، تخصيصًا لهذه السيادة، ولكن لا نزيد هذه اللفظة في الأوراد التي علمناها الرسول ﵊.
4 / 5