Lessons by Sheikh Al-Albani
دروس للشيخ الألباني
Türler
مدى صحة القول بأن هناك بدعة حسنة ومن قال به
إذا عرفنا هذه الحقيقة، ولا مجال لأحدٍ أبدًا إلى إنكارها، حينئذٍ أين هذا الخلاف الفقهي؟ من هم الأئمة المجتهدون الذين قالوا بأن هناك في الدين بدعة حسنة؟ أما أن هناك مِن المقلدين من استدل على ما ذهب إليه من استحسان البدعة في الدين واحتج برأي إمام، فأبدًا لا يوجد لديهم أثر واحد عن إمام من الأئمة المجتهدين، لا سيما حينما يحصرون الأئمة الأربعة فقط.
إذًا: غرضي من هذا لفت النظر إلى أن هذا الكاتب لم يكن تعبيره تعبيرًا علميًا دقيقًا؛ لأنه حشر في جملة العلماء هؤلاء المقلدين الذين هم يتبرءون من أن يكونوا من العلماء، هذا لازمهم شاءوا أم أبوا، وما دام أنهم يعترفون بأنهم مقلدون فهم ليسوا بعلماء، وهم يقولون ذلك.
ما هي وظيفة المقلد؟ هذه حقائق نستطيع أن نجابه بها أكبر مقلد، إذا كان هناك مقلد -كبير أو صغير- فنقول حينذاك: الذي يزعم بأن في مسألة الابتداع خلافًا فقهيًا، فمن هم العلماء والفقهاء حقيقة الذين قالوا: إن البدعة في الدين تنقسم إلى بدعة حسنة، وإلى بدعة سيئة؟ هذه واحدة.
والأخرى نطالبهم بالإتيان ببعض الأمثلة مما استحسنها وابتدعها أولئك الأئمة الذين يزعمون أنهم يتمسكون بأقوالهم، لو سألنا اليوم مشايخ التقليد: هاتوا مثالًا من البدعة الحسنة، لملئوا كتبًا ومجلدات لإحصائها، كثيرة وكثيرة جدًا، فهاتوا عشر بدع فقط عن إمام من أئمة المسلمين الذين تنتمون إليهم قال: هذه بدعة حسنة، وليس عليها دليل من الكتاب والسنة؛ لأن هنا تفصيلًا ذكرناه مرارًا، ليس كل شيء حدث مجرد حدوث ووقوع بعد الرسول يكون بدعة، وإنما هذا بشرط: ألا يكون عليه دليل من الكتاب والسنة، ومن هنا يخطئ المتأخرون الذين يذهبون إلى تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام، فيقولون: بدعة فرض: ومثالها: جمع القرآن -عياذًا بالله- جمع القرآن بدعة؟! لماذا يقولون هكذا؟ لأن الجمع وقع بعد الرسول ﷺ، الجمع الصوري بكيفية معينة وقع بعد الرسول، مثل: الطباعة الآن، الطباعة ما كانت في زمن الرسول، فما نسميها بدعة، وهذه لها فصل وباب خاص في علم الأصول هو باب: المصالح المرسلة، فهذا من المصالح المرسلة، فيقولون: جمع القرآن بدعة، ويقولون: جمع عمر بن الخطاب الصحابة على التراويح بدعة، وقد يقولون -أقول هذا بتحفظ- إخراج عمر بن الخطاب اليهود من خيبر بدعة، مع أن هذه الأشياء عليها نصوص صريحة، التراويح تكلمنا عليها مرارًا وتكرارًا، فقد سنها الرسول بفعله، وحض عليها بقوله، وقال للذي يصلي صلاة القيام في رمضان مع الإمام وصلاة الفجر مع الإمام فكأنما قام الليل كله، مع ذلك يقال: إن جمع الناس على التراويح بدعة! فهذا أحد شيئين: إما أنهم يجهلون هذه السنن فيسمونها بغير اسمها، وهذا موضوع ينزع من البعيدين عن التفقه بالكتاب والسنة، أو إنهم -وهذا خير الظنين بهم- يسمونها بذلك مجازًا كما وقع من بعض السلف، فـ عمر بن الخطاب -مثلًا- سمى التراويح بدعة حين قال: [نعمت البدعة هذه]، وهو لا يعني البدعة التي أطلقها المتأخرون: بدعة في الدين، وهو إحداث عبادة على غير مثال سابق، لا من فعله ﵊ ولا من قوله.
إذًا: في هذه الجملة: خلاف فقهي، تسامح في التعبير؛ لأن هذا الخلاف ليس قائمًا بين المجتهدين، وإنما هو قائم بين المجتهدين والمقلدين، والمقلد لا رأي له بشهادتهم أنفسهم، فلا قيمة لقول أحدهم في رأيه واجتهاده أبدًا.
1 / 5