وانتشت بالخمر فاقتربت منه .. أطبقت الكآبة متجسدة .. ران الإحباط على الطعام والشراب وجفت ينابيع الرغبة .. جفل من المرأة بقدر ما توجس منها خيفة .. إنه كابوس ثقيل طويل ويجب أن يتلاشى.
7
في الموعد التالي ذهب وكأنما يذهب إلى النطع، ولكن لم يستجب لطرقاته على الباب أحد، ولم يفتح له بعد ذلك، فتلقى أول شعور بالراحة منذ اكتشاف الجريمة .. لعل أهلها فطنوا أخيرا إلى سلوكها السري، لعلها نفرت منه، لعلها لحقت بأختها، ليكن من أمرها ما يكون فقد انتهى قدر لا يستهان به من عذابه .. لن يقترب مرة أخرى من مقام الجريمة، وسوف يقاوم لون الدم الذي يطارده، ولن يألو أن يذكر نفسه بأنه لم يرتكب طيلة حياته جريمة قتل .. هيهات .. ولا قتل دجاجة مما يستطيعه .. وابتعدت ذكريات الطعام والشراب والغرام، فقال لنفسه المنهزمة: لعلها لم تكن حقيقة قط .. وكل يوم يمر يجود بهبة من الطمأنينة .. الخوف حق على المجرمين لا الأبرياء .. وهو بريء ما في ذلك شك .. وكلما رسخت الطمأنينة دبت الحياة في الرغبة المكبوتة .. رجع يتذكر ليالي الغرام والطعام ويتنهد .. ويتذكر العقد الثمين فوق بطنه المحروم من عرضه للبيع ويتأسف .. إنه يحمل ثروة معطلة، وله تجربة مع السعادة لا تنسى، ويتفجر في أعماقه النهم وأشواق اللذة .. وتساءل في حيرة: أليست التوبة أجدر بي؟
ولكن ليالي جلنار أشعلت في وجدانه جنون النساء .. جالت عيناه متلصصة بين الحسان، تنطلق من نار وترتد بنار أشد .. في إحدى جولاتها وقعت على حسنية بنت صنعان شقيقة فاضل، فشجعه فقرها وسمعة أبيها المتوفى على الطمع فيها .. وانتهز فرصة مجيء فاضل إلى دكانه ليشذب لحيته وشاربه فغالى في الترحيب به وسأله ببساطة عجيبة: يا سيد فاضل صنعان، هناك من يطلب شرف القرب منك.
فتساءل فاضل بعقل خال: من يا عجر؟
فقال بالبساطة نفسها: العبد لله.
صدم فاضل وكتم انفعاله .. قال لنفسه: لعل عجر أيسر في الرزق مني، ولكنه عجر وأنا فاضل، وحسنية لا تقل في التهذيب عن شهرزاد نفسها .. تساءل ليكسب مهلة للتفكير: أختي؟ - نعم.
فقال كالمعتذر: يبدو أن أحدهم سبقك يا عجر!
لاذ عجر بالصمت دون أن يصدقه .. لو سبقه سابق لعلم به. وهل يخفى عليه شيء مما يجري في الحي كله؟ وغضب عجر .. كيف لا يعتبر فاضل طلبه منة، وهو يطلب القرب من بيت حلت به لعنة الشيطان؟!
8
Bilinmeyen sayfa